‬الجزائر‮… ‬أو الطوفان‮…!‬

عَطِّرِ‮ ‬اللّهم قبرَ‮ ‬المفكر المصري‮ ‬الكبير خالد محمد خالد،‮ ‬بِعَرَفِ‮ ‬شَذَى رحمات وبركات‮. ‬فمنه استلهم عنوان عمودي‮ ‬اليوم،‮ ‬لأنّ‮ ‬من عناوين كتبه‮ “‬هذا أو الطوفان‮” ‬و”لكي‮ ‬لا تحرثوا في‮ ‬البحر‮”.‬
فحينما ضاقت أرض مصر بفكر خالد محمد خالد،‮ ‬وحينما خيّم على قلعتها العلمية الأزهرية ضبابُ‮ ‬التخلّف والظلامية،‮ ‬لجأ مفكرها خالد محمد خالد إلى نَفْثِ‮ ‬هذه الزفرات اليائسة،‮ ‬فشخّص لقومه الداء،‮ ‬وبيّن لهم الدواء،‮ ‬قائلاً‮ ‬لهم إمّا هذا الدواء للنهوض بمصر،‮ ‬وإمّا الطوفان الذي‮ ‬يهلك الحرث والنسل،‮ ‬فلا‮ ‬ينجو منه أحد‮.‬
ولئن كنّا نسلِّم وِفقا لقواعد البناء الحضاري،‮ ‬بأنّ‮ ‬التاريخ عكس ما هو سائد لا‮ ‬يعيد نفسه،‮ ‬وأنّ‮ ‬الحادثة التاريخية لا‮ ‬يمكن أن تتكرر بنفس المواصفات،‮ ‬لأنّك لا تستحم في‮ ‬النهر مرتين‮. ‬لئن كنّا نسلِّم بكلّ‮ ‬هذا،‮ ‬فإنّنا نسلِّم معه بأنّ‮ ‬الأحداث‮ ‬يمكن أن تتشابه،‮ ‬وأن نَفَسَ‮ ‬المرض‮ ‬يمكن أن‮ ‬يصيب شخصًا آخر أو مجتمعًا آخر‮.‬
فما أشبه الليلة بالبارحة،‮ ‬وما أشبه ما وقع ويقع في‮ ‬مصر أمس واليوم بما وقع ويقع في‮ ‬الجزائر اليوم‮. ‬وحتى لا نحرث في‮ ‬البحر،‮ ‬فيمكن أن نقدِّم لجزائريينا بعض المحاذير في‮ ‬ضوء الإشارات والتنبيهات،‮ ‬كما‮ ‬يقول ابن سينا‮.‬
ففي‮ ‬الجزائر اليوم نكوص حضاري،‮ ‬وركود ثقافي،‮ ‬وغليان سياسي،‮ ‬وتدهور اجتماعي،‮ ‬وكلّ‮ ‬ذلك‮ ‬يمثل مقدِّمات‮ ‬غير سليمة من شأنها أن تفضي‮ ‬إلى نتائج وخيمة،‮ ‬أشبه ما تكون بالطوفان‮.‬
فالاستحقاقات الرئاسية القادمة،‮ ‬حرّكت ما كان ساكنًا،‮ ‬وأيقظت من كان نائمًا،‮ ‬ودفعت الجميع كلٌّ‮ ‬من موقع مسؤوليته إلى ضرورة التفكير،‮ ‬والتأمّل في‮ ‬ما سيسفر عنه الموعد المصيري‮ ‬من نتائج‮.‬
غير أنّ‮ ‬هذا الموعد الانتخابي‮ ‬الخطير بدأ‮ ‬يُرسِل بأعراض لا تنبئ بخير،‮ ‬ويشير العارفون‮ ‬‭_‬لا العرافون‮- ‬بواقع الشعوب؛ أنّ‮ ‬بعض العلامات ستوقف كلّ‮ ‬عاقل،‮ ‬وكلّ‮ ‬وطنيٍّ،‮ ‬فيصيبه بالدّهشة والتعجّب،‮ ‬ومن هذه الأعراض والعلامات ما‮ ‬يلي‮: ‬
1‮ ‬‭-‬ شَبَحُ‮ ‬التزوير الذي‮ ‬يَبرُز كبُعبع‮ ‬يخوِّف الناسُ‮ ‬به إخوانَهم،‮ ‬استنادًا إلى تجارب سابقة‮. ‬والتزوير‮ ‬‭_‬أيًّا كانت دوافعه‮- ‬هو عدوان على إرادة الشعوب،‮ ‬وسطو على طموحها،‮ ‬من شأنه أن‮ ‬يحبِط آمال المواطنين،‮ ‬ويصيب قناعاتهم باليأس‮. ‬ذلك أنّ‮ ‬التزوير الانتخابي‮ -‬إن هو وقع‮- ‬سيشوِّه وجه الشعب،‮ ‬ويزيِّف مقاصد وِجهته،‮ ‬وإنّها للحالقة التي‮ ‬تَحْلِقُ‮ ‬كلّ‮ ‬عمل‮.‬
2‮ ‬‭-‬ انعدام النزاهة،‮ ‬والحيادية في‮ ‬القائمين على الشأن الإداري‮ ‬في‮ ‬تسيير الدولاب الانتخابي،‮ ‬فالموضوعية تقتضي‮ ‬أن لا‮ ‬يُشرِف على العملية الانتخابية إلا القضاةُ،‮ ‬الأباة،‮ ‬النزهاءُ،‮ ‬الشرفاء،‮ ‬الذين لا وَلاَءَ‮ ‬لهم إلاّ‮ ‬للجزائر،‮ ‬ويصدُق علينا في‮ ‬هذا المجال قول الشاعر العربي‮:‬
فلو أنّي‮ ‬بُليت بهاشمي‮ ‬خؤولته بنو عبد المدان
‭ ‬لَهَانَ‮ ‬عليّ‮ ‬ما ألقى ولكن‮ ‬تعالوا،‮ ‬فانظروا بمن ابتلاني
3‮ ‬‭-‬ إقحام المال الفاسد في‮ ‬العمل الانتخابي‮ ‬الطيّب،‮ ‬وذلك بشراء الذمم،‮ ‬وبيع الهمم،‮ ‬والغطاء على كلّ‮ ‬أَنَفَةٍ‮ ‬وشمم،‮ ‬وهو ما من شأنه أن‮ ‬يلوِّث ما‮ ‬يكتبه القلم،‮ ‬وأن‮ ‬يعطِّل خفقان القلبِ‮ ‬والْعَلَمِ‮.‬
4‭-‬ اهتزاز المعايير في‮ ‬اختيار المؤهَّلين لخوض الاستحقاق،‮ ‬ويستوي‮ ‬في‮ ‬ذلك السويُّ‮ ‬والمُعاق،‮ ‬والقَنوع والمُشتاق،‮ ‬مما فتح على الجزائر ألوانًا شتّى من الغليان والشقاق،‮ ‬بين الإخوة والرِّفاق‮.‬
إنّ‮ ‬هذه الأعراض‮ ‬غير الحضارية،‮ ‬وغير الوطنية،‮ ‬هي‮ ‬التي‮ ‬قسَّمت العاملين في‮ ‬الحقل السياسي‮ ‬إلى محافظين ورافضين،‮ ‬وإلى دعاة للمشاركة وإلى مقاطعين‮.‬
على أنّنا بدافع الحبّ‮ ‬للجزائر التي‮ ‬لا تزول بزوال الرجال،‮ ‬يحدونا بصيص الأمل الذي‮ ‬تفتحه آفاق الاستحقاقات مهما صغُرت،‮ ‬نُهيب بالجميع إلى التعبئة وإلى المشاركة،‮ ‬وإلى الوعي،‮ ‬بأهمية الإدلاء بالشهادة،‮ ‬فالانتخاب شهادة،‮ ‬يُسأَل عنها الإنسان‮ ‬يوم القيامة،‮ ‬يوم‮ ‬يقوم الناس لرّب العالمين،‮ ‬فلا‮ ‬يجب أن نصيب في‮ ‬شهادة الزور لأنّها من أكبر الكبائر‮.‬
إنّنا نهيب بكلّ‮ ‬مواطن حرّ‮ ‬شريف أن‮ ‬يَهُّبَّ‮ ‬للمشاركة في‮ ‬عملية التغيير الحضاري‮ ‬السلمي،‮ ‬فمستقبل أبنائنا أعلى من المقاطعة،‮ ‬والمساهمة في‮ ‬إحداث التغيير‮ ‬‭-‬ولو بالكلمة‮- ‬عمل إيجابي‮ ‬ولو كان من أضعف معاني‮ ‬الوطنية‮.‬
إنّ‮ ‬الوطن الجزائري‮ ‬اليوم كالجثة المطوّقة،‮ ‬تحيط بها المخاطر من كلّ‮ ‬جانب،‮ ‬فعسى أن تكون العملية الانتخابية المتاحة إحدى وسائل القيام بالواجب الوطني‮.‬
وحتى لا‮ ‬يكون حالنا كحال من‮ ‬يحرث في‮ ‬البحر،‮ ‬علينا أن نعمل على إنقاذ الجزائر من كلّ‮ ‬المخاطر،‮ ‬فإما الجزائر وإما الطوفان لا قدر الله‮.‬
“الشروق” الجزائرية

اقرأ أيضا

بايتاس: المغرب بصدد استيراد 20 ألف طن من اللحوم الحمراء ما بين طرية ومجمدة

أكد الوزير المنتدب المكلف بالعلاقات مع البرلمان الناطق الرسمي باسم الحكومة، مصطفى بايتاس، اليوم الخميس …

مجلس الحكومة يصادق على مشروع “مدونة الأدوية والصيدلة”

تداول مجلس الحكومة وصادق على مشروع القانون رقم 61.24 يقضي بالمصادقة على المرسوم بقانون رقم 2.24.728 الصادر في 23 من ربيع الأول 1446 (27 سبتمبر 2024) بتتميم القانون رقم 17.04 بمثابة مدونة الأدوية والصيدلة.

هيئة نقابية تضع ملفات التقاعد ومربي التعليم على طاولة برادة

طالبت الجامعة الوطنية للتعليم، الحكومة بالإسراع بتنزيل جميع مقتضيات اتفاقي 10 و26 دجنبر 2023. وانتقدت …

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *