الجزائر.. دولة بـ “بلاش”

كتبت منظمة “السلام الأخضر”، على صفحتها بموقع التواصل الاجتماعي “الفايسبوك”، هذه العبارة “هل أنت من الناس الذين يستطيعون فعل الأشياء الخارقة؟”، وتساءلت حين قرأت هذا الإعلان، هل تجهل هذه المنظمة، أن في الجزائر نظام خارق قائم في حد ذاته منذ 1962، يصنع الأبطال الخارقين والرؤساء الخارقين والأحزاب الخارقة والتنمية الخارقة والأفكار الخارقة، بل حتى “الشيتة “ الخارقة، والتي تجاوزت كل معجزات سيدنا عيسى.. نظام يمكنه أن يجعلك ترى الأسود أبيضا، ويفتح لك طريقا في البحر يابسا، وهو لم يستطع أن ينجز “طريقا سيارا محترما”، ويجعلك ترى الفشل نجاحا والوطنية غباء والفساد “شطارة” والجهوية صلة رحم والفقر “مكتوب علينا “، حتى الحفر في الطريق ستراها بساتينا وورودا.. نظام يجعلك ترى المستشفيات خمس نجوم، والجامعات تخرج العباقرة، ويجعلك ترى أننا بلد ديمقراطي بامتياز، هنا تتناحر الأحزاب بينها في إبداء الولاء والوفاء لبرنامج الرئيس، وكلها أحزاب تبناها الرئيس.. كل شيء خارق حتى الذين يدافعون عن هذا النظام خارقون، في أفكارهم وتبريراتهم، فنسمع كثيرا ونقرأ تصريحات المسؤولين وبعض المغرمين بهذا النظام، والمزايا التي يقدمها لهم، يتهمون الصحافة وبعض الأصوات الناقدة له ولطرق تسييره، بأنها تقدم صورة قاتمة عن الجزائر، وأنها لا ترى إلا الجوانب السلبية، فيما يقوم به ويقدمه لهذا الشعب، طيلة السنوات الماضية، خاصة منذ مجيء الرئيس عبد العزيز بوتفليقة.. إن أغرب ما نسمع من هؤلاء الذين يدافعون عن الرئيس وزمرته ومحيطه، قولهم إن الجزائر الدولة الوحيدة التي تمنح السكن بدون مقابل “بلاش”، والقروض “لونساج” دون فوائد، والتعليم بـ«بلاش” والعلاج بـ«بلاش”.. ولا أعلم هل هذا يندرج ضمن لائحة منشور منظمة “السلام الأخضر” أم لا؟ وأتساءل هل يعتقد هؤلاء فعلا، أنها ميزة وقوة وتطور وتقدم واستراتيجية ناجحة وعبقرية خارقة، أن تقدّم الدولة كل شيء لشعبها بلا مقابل؟ هل من المنطقي والحكمة، أن نجعل شعبا بأكمله يتنافس على ثقافة اللامقابل “بلاش”؟ هل من المعقول أن نطلق يد الفساد في كل شيء، لننخر الدولة ونلهي الشعب بالفتات عبر سياسة “بلاش”؟ لقد عجزت الجزائر عن إيجاد أطر واستراتيجية إنتاجية، حتى أصبحت تستورد كل شيء بعائدات النفط، الذي كان من المفروض أن يوجه للتنمية، التي تخلق مناصب العمل وتسمح بخلق الثروة.. هل هو تميّز أن دولة مثل الجزائر عاجزة عن إيجاد نظام إنتاجي يسمح للمواطن بأن يتحصل على دخل محترم ويحتكم لنظام بنكي يسمح له باقتناء سكن محترم؟ إن لجوء النظام والمدافعين عنه إلى هذه التبريرات، دليل عن عجزه وفشله في الخروج من الاعتماد على الريع البترولي وشراء السلم الاجتماعي إلى نظام يعتمد على تقديس العمل وتقديم القيمة المضافة، نظام إنتاجي يخرجنا من الاتكالية والانتهازية، نحو احترام الكفاءة والعمل والمبادرة والبحث والاستراتيجية.. نظام يجعل الشباب يؤمن بقدراته على الإبداع والخلق والمنافسة، ولا ينتظر مزيّة أحد.. إن الدولة الجزائرية بالإضافة إلى كونها خلقت أثرياء فاسدين، بسبب اللاحساب واللاعقاب وتقنين النهب والفساد، أنتجت بسياساتها العرجاء، بطالين فاسدين، أن نصل إلى درجة أن أهل الجنوب لا يجدون من يجني لهم التمور، وأن لا نجد من يصطاد في البحر ولا من يفلح الأرض، هو فشل ذريع سندفع ثمنه مستقبلا، إن لم نكن ندفع ثمنه الآن، فالإحصائيات تشير إلى وجود عجز في قطاع الأشغال العمومية والبناء يصل إلى قرابة مليون عامل. كان يجدر برئيس الجمهورية الذي تحدث في رسالته الأخيرة عن “أولائك الذين يثبطون عزائم العاملين ليل نهار من أجل سعادة الشعب الجزائري”، أن يتحدث عن ضرورة السماح للشعب الجزائري بتحقيق سعادته بمفرده، بعيدا عن وصاية الدولة أو النظام وسياسة “البلاش”، وكما يقول المثل الصيني “لا تعطيني سمكا، لكن علّمني كيف اصطاد”، أو افتح لي الطريق لأتحصل على عمل يوفّر لي الحياة الكريمة. ولا يتأتى هذا إلا عن طريق احترام إرادة الشعب وفتح المجال أمام كل الكفاءات وتسليم مشعل القيادة للشباب بالفعل، وليس في الخطابات، وأن نتوقف عن شراء السلم الاجتماعي بسياسة “بلاش”، لأنها لا تنتج إلا “شعب بلاش” و”دولة بلاش”.

*صحفية جزائرية/”الخبر”

اقرأ أيضا

أطر الإدارة التربوية يضعون مطالب عاجلة على طاولة برادة

طالب أطر الإدارة التربوية، بتحسين ظروفهم الاجتماعية والمهنية. ودعا أطر الإدارة التربوية وزير التربية الوطنية …

بواسطة سلاح أبيض.. هجوم عنيف يستهدف البرلماني عزيز اللبار في فاس

تعرض البرلماني عزيز اللبار، مساء اليوم الثلاثاء، لاعتداء بالسلاح الأبيض، في فندق "زلاغ بارك بالاص" بمدينة فاس، مما أسفر عن إصابته بجروح وُصفت بـ"الخطيرة".

بالصور.. إصابات إثر انقلاب حافلة بفاس

أصيب حوالي 60 شخصا في حادثة سير وقعت مساء اليوم الاثنين، على إثر انقلاب حافلة تابعة لوكالة النقل الحضري بـ"باب عجيسة" في مدينة فاس.

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *