قد يشكل أتباع المذهب الزيدي في اليمن 10% من مجموع السكان الذين يقارب تعدادهم 30 مليون نسمة، يتمركز غالبيتهم في مدينة صعدة ثم حجة وعمران وجزء من صنعاء وأرحب، ويتوزع ولاء الزيدية في اليمن ثلاث مجموعات 5% منهم فقط يوالون الحوثيين عقائديا أو تعصبا وطمعا، و2% يوالون علي عبدالله صالح الرئيس السابق لارتباطهم معه بمصالح ذاتية، و3% من الزيدية معتدلين يرون الحوثيين متطرفين ويشيحون عنهم، وعلى أكثر تقدير لا يستطيع الحوثيون حشد أكثر من نصف مليون مقاتل، ونسبتهم كنسبة العلويين الذين يحكمون اليوم سوريا، ولكن العلويين في سوريا تسللوا إلى الحكم عن طريق حزب البعث وتوجهاته القومية في غفلة من أهلها، وتمسكنوا حتى تمكنوا، ولم يثيروا حفيظة السوريين المذهبية علنا بالشكل الذي عليه الحوثيين اليوم، ومع ذلك واجهوا ثورات وانتفاضات متعددة، وبقوا المهيمنين على مركز القيادة، وبحسابات الربح والخسارة، ربح العلويون السلطة، ولكنهم أكثر الفئات اليوم تضررا فقد دفعوا ثمن الهيمنة باهظا من دماء أبنائهم.
وهناك من يرى الحوثيين ينتهجون مسار حزب الله في لبنان ولبنان غير اليمن، وأن كان بينهما تشابه أحيانا في تضاريس الأرض وجمال الطبيعة، لكن حزب الله في لبنان ناور وحاور قبل أن يصل إلى ما وصل إليه من القوة تحت قبة المقاومة وجبهة صد بوجه إسرائيل، ولم يكن يتبنى الطائفية ولم يجهر بالخطاب المذهبي إلا بعد أن تمكن فكشر عن أنيابه، أما الحوثيون في اليمن لم يكونوا على جبهة مقاومة، بل كانوا مذهبيين وطائفيين أكثر من كونهم سياسيين، وتورطوا في معاداة الآخرين فكشفت أوراقهم من الخطوات الأولى، وواجهوا معارضة حتى من داخل المذهب الزيدي، وتسببوا في تأخر اليمن ونموه وتطوره بحروب سبعة على مدى عشر سنوات، اثأروا فيها النعرة الطائفية والمذهبية.
لقد سبق أن كتبت عن الحركة الحوثية في اليمن عدة مقالات، وسبق أن قلت إن الحوثيين منتشون بالانتصارات التي اجتاحوا بها عددا من المحافظات، وينتظر أن يجتاحوا محافظات أخرى، هم يمتلكون ما يكفي من السلاح، ولديهم قدرة على الحشد، ولاسيما في غمرة النشوة والشعور بالنصر، وانشغال العرب بأنفسهم بعد ثورات الربيع أتاحت لهم فرصا مواتية إقليميا، وانشغال العالم بداعش ومفاوضات إيران مع الدول الخمس الكبار على رأسهم أمريكا حول البرنامج النووي الإيراني شغل عنهم المجتمع الدولي وخفف ردة الفعل ضدهم، بيد أنهم بقدر ما ابتسم لهم الحظ وضحكوا من خصومهم، أرى أنهم سيبكون آخر المطاف دما وسينزفون، فالحوثيون يتمركزون في منطقة جهوية تشكل جزءا من شمال اليمن، وفيما عداها ليس لهم رصيد بشري كاف لتغطية المساحة، هم اليوم يستطيعون السيطرة على مقرات المحافظات ومعسكراتها والمراكز الرئيسية بالقوة، ولكن لن يستطيعوا مسك الأرض، ولا فرض الأمن، ولا إدارة الدولة، وسيجدون مقاومة عنيفة ومصير سيئ ينتظرهم.
واقع الحوثيين وماضيهم لا يترك لهم مجالا للمناورة، فقد اتضح وثبت أنهم جماعة طائفية لها دوافع مذهبية ورؤية متطرفة، فخسرت بتطرفها جزءا من عموم الزيدية، وأثاروا حفيظة الشافعية بتصرفاتهم المذهبية ومحاصرتهم مدينة دماج وتهجير السلفيين فيها وتدمير مدارس تحفيظ القرآن ومساجدهم، وخسروا تعاطف العرب بانفتاحهم غير المحدود على إيران، وانحسار علاقاتهم بالمجتمع العربي عموما، وخسروا المدخل السياسي والديمقراطي حينما بدؤوا بالانتقام من خصومهم السياسيين كالإصلاح والاشتراكي والقوميين والبعثيين واللبراليين، اغتالوا وداهموا واعتقلوا ونهبوا دورهم ومؤسساتهم التجارية والثقافية والأكاديمية، وخسروا ثوار الربيع العربي والمستقلين الوطنيين الذين رفضوا تمسك علي عبدالله صالح بالسلطة واتهموه بالفساد، وبتحالف الحوثين معه، فقدوا صفة الثوار والوطنية، كما أن تصرفات اللجان لثورية الصبيانية وغير المنضبطة في السيطرة على مقار المؤسسات الحكومية وكذلك تفتيش الناس في نقاط ومفارز على الطرق مداخل المدن جلب لهم كراهية الناس بعد تجربة سلوكياتهم، واحتجز الحوثيون رئيس الجمهورية المنتخب ورئيس وزرائه والوزراء ووضعوهم تحت الإقامة الجبرية، ولكن بعض تحرروا من قبضة حراسهم وهربوا فإربكوا بهروبهم موقف الحوثيين، ومما زاد اضطرابهم عدم اعتراف العالم العربي والدولي بهم. ونقل السفارات الغربية والخليجية إلى عدن، فتأرجحت خياراتهم وضاقت عليهم السبل وقد تكون البداية لتقهقر مدهم وتراجعهم.
مستقبل الحوثين سيبقى تحت رحمة خصومهم، انتشارهم في المحافظات سيجعلهم صيدا سهلا لأبناء القبائل المسلحين، وتجمعهم في المقرات ونقاط التفتيش والمعسكرات يجلهم لقمة سائغة لمفخخات القاعدة وداعش والانتحاريين، وسيصبحون ويمسون على اغتيال هنا وقنص هناك وتفجير في الشرق وانتحاري في الغرب وهلم جرى، هذا ونحن ما زلنا في أول الطريق وبدايته، وباعتقادي كلما ازداد تمسك الحوثيين بالزحف على المحافظات ازدادت خسائرهم، وسيكتشفون انهم سلموا رقاب أبنائهم للموت بأيديهم، والقوا بأنفسهم إلى التهلكة ولا عاصم لهم من أمر الله.
“البلاد” البحرينية