تداولت شبكات التواصل الاجتماعي ما قاله بوتفليقة أثناء إيداع ملف ترشحه لعهدة رابعة لدى المجلس الدستوري ، كما تداولت شعار الرافضين للعهدة الرابعة بالرغم من أن دستور 2008 يخول له حق الترشح ، فما مصير الرئاسيات؟ وهل يستطيع الرئيس إدارة شؤون الجزائر وهو لم يتحدث مع شعبها منذ ماي 2012؟.
خيارات السلطة وخيارات المعارضة؟
تفيد تقارير أمنية أن تحرك الشارع الجزائري خلال الحملة الانتخابية لرئاسيات 2014 قد تصعب الهيمنة عليه باعتبار أن شعاره “15 سنة بركات” وهو مستمد من شعار الرافضين لـ”مجموعة وجدة” لعام 1962عندما أطاحوا بحكومة بن يوسف بن خدة والذين كان شعارهم يومئذ “سبع سنين بركات” مما دفع بالولايات التاريخية إلى “هدنة” مؤجلة، وتقول الوثائق التاريخية أن المجموعة التي اختارت الزعيم أحمد بن بلة رئيسا لها تلقت باخرة أسلحة من جمال عبد الناصر، وأن برقية الرئيس الراحل علي كافي التي بعث بها من القاهرة دفعت بالثوار إلى تفجير الباخرة في ميناء عنابة حتى لا تصل إلى “العصب المتصارعة” على السلطة.
قد يقول البعض ما علاقة الماضي بالحاضر لكن من يطلع على هذه التقارير يلمس فيه هاجس الخوف لدى دوائر الحكم في الجزائر من ربيع عربي محتمل قد لا تستطيع البلاد التحكم فيه، فالعبارة التي قالها الرئيس عبد العزيز بوتفليقة بصوت منخفض في مدة 13 ثانية وهي: “جئت لأسلم عليك أولا وفي نفس الوقت (يقصد الوقت نفسه) أقدم ملف ترشحي وفقا للمادة 74 من الدستور والمادة 132 (يقصد 136) من قانون الانتخابات” ليست لها علاقة بلغة الرئيس الذي لا يخطئ في المواد القانونية أو اللغة العربية.
تشير تقارير مراكز الدراسات والأبحاث الاستراتيجية التي اطلعت عليها الأسبوع الماضي عندما كنت في الإمارات العربية ضيفا على المنتدى الدولي للاتصال الحكومي بالشارقة، بأن الجزائر مقبلة على أحداث جسيمة ومرحلة صعبة بسبب خيارات أصحاب القرار المتعلقة بمن يسيّر مرحلة الرئيس بوتفليقة بعد فوزه في 17 أفريل 2014.
يقول المقرّبون من مداومة بوتفليقة أن عمّار سعداني الأمين العام لجبهة التحرر قد تمكن من تجديد الثقة فيه بعد ترشح بوتفليقة بحيث وقع له 220 عضو من اللجنة المركزية وثيقة ضد مجموعة عبد الرحمن بلعياط التي لم يتجاوز عددها 90 عضوًا وما جمعته من توقيعات لم يتجاوز 15 ألفا لصالح بوتفليقة بينما جمع أنصار سعداني مليون من توقيعات المواطنين إلى جانب 10 آلاف توقيع من المنتخبين، في حين لم يتجاوز عدد الاستمارات التي جمعها التجمع الوطني الديمقراطي بقيادة عبد القادر بن صالح 350 ألف توقيع وجماعة “تاج” لم تتجاوز توقيعاتهم 100 ألف استمارة بينما جمع حزب عمارة بن يونس أقل من 50 ألف توقيع بحيث بلغ مجموع التوقيعات التي جمعتها الأحزاب المساندة لبوتفليقة مليون ونصف توقيع؟ فمن جمع بقية التوقيعات المقدرة بـمليونين ونصف المليون توقيع، فإذا جمعها المجتمع المدني فهذا خطر على “الدولة المدنية” التي يدعو إليها النظام الجزائري، وإذا كانت الإدارة هي التي جمعت هذا الكم الهائل فالمصيبة أعظم؟.
ماذا يفعل المجلس الدستوري بأربعة ملايين استمارة علما بأن تكلفة الورقة الواحدة عند مطابع الحكومة هي 5 دنانير، بمعنى أن ملف ترشح بوتفليقة كلفها ملياري سنتيم، أو ليس هذا “فساد علني” لأن كل مرشح مطالب بـ 60 ألف توقيع من الشعب أو 600 توقيع من المنتخبين والباقي إهدار مال عام.
نائب أم نواب للرئيس؟
سربت معلومات حول سيناريو الرئاسيات التي أدى إلى “التأهب” للمواجهة بين عصب النظام القائم في الجزائر، وهي أن المجموعة المحيطة بالرئيس اقترحت أن يكون نوابه : مولود حمروش، أحمد أويحيى، عبد العزيز بلخادم وعلي بن فليس، وبدأ الاتصال بكل شخصية على انفراد، لكن جناحا في السلطة أبدى انزعاجه من هذا السيناريو لأنه يفقد الانتخابات مصداقيتها فأوعز لبعضهم بالترشح موهما إياهم بأن الرئيس بوتفليقة قد لا يترشح، لكن فريقا ثالثا اقترح بأن يتم دعم عبد المالك سلال لخلافة بوتفليقة فاعترضت قيادة جبهة التحرير عليه ولولا إطلاق سعداني النار على الفريق توفيق لكان سلال رئيسا، ولولا خرجة مولود حمروش لما اتفقت عصب السلطة على ترشيح بوتفليقة.
قانون 2006 يفجر الصراعات
يقول العارفون بالشأن الجزائري بأن الصراع بين أصحاب القرار لم يحسم وإنما تحول إلى هدنة مؤقتة وأن سببه الحقيقي هو بدء سريان مفعول قانون المؤسسة العسكرية الذي يقضي بإحالة كل موظف يبلغ سن 64 على التقاعد مهما كانت رتبته العسكرية، وحتى لا يطبق القانون على الجنرال أحمد قايد صالح سارع الرئيس إلى تعيينه نائبا له في وزارة الدفاع، ويبدو أن الكثير ممن سيحالون على التقاعد ساندوا الرئيس ليقوم بتجميد هذا القانون وهو ما قد تترتب عليه بعض الصعوبات المهنية في المؤسسة العسكرية.
أوساط أمريكية وفرنسية غذت هذا الصراع بهدف تغليب هذا الجناح على ذلك وهو صراع يذكرنا بما حدث في رئاسيات 2004 حيث دفعت الجزائر فاتورة باهظة، وهاهي اليوم الجزائر قد تدفع فاتورة أضخم باعتبار أن أنظار العالم تتجه اليوم نحوها وهي تطرح السؤال الجوهري: هل الجزائريون لا يؤمنون بالتغيير السلمي والتداول على السلطة أم أن الذين يديرون دواليب الحكم يخافون من محاكمتهم في حال خروجهم من السلطة؟.
الإجابة تفيد أن الجزائر مقبلة على خيارين أحلاهما مر: الأول يتمثل في توسيع دائرة المعارضين للعهدة الرابعة وتحريك الشارع أو المقاطعة التي تشنها الأحزاب الاسلامية مما قد تكون لها تداعيات؟ وما قاله المرشح علي بن فليس لرئيس المجلس الدستوري يسير في هذا السياق، أما الخيار الثاني فهو مرتبط بتحسن صحة الرئيس فإذا لم يستطع مواصلة عمله فإن الخيار سيكون بإجراء “انتخابات رئاسية” مسبقة في غضون ستة أشهر تطبيقا للمادة 88 من الدستور، فهل تستطيع الجزائر تجاوز هذه الأزمة؟
“الشروق” الجزائرية