قام الشعب التونسي بثورة 14 جانفي 2011 فكسب «سماء كاملة من الحرية وهلل له أحرار العالم» كما يتغنى بذلك الشاعر محمد الصغير أولاد أحمد.
أربع سنوات أو يزيد مرت على قيام الثورة وصداها لا يزال يلقى الاحترام والاعجاب في العالم ووقعها يثير الاكبار والثناء. لكن واقع البلاد الداخلي وما يعيشه المواطن من صعوبات متزايدة يبعث بصورة مختلفة عما تعنيه الثورة في الخارج بل ومتناقضة أحيانا. وكيف لا يكون ذلك ومؤشر الأسعار قد ارتفع في أربع سنوات إلى 7٪ والبطالة تفاقمت لتتجاوز الـ 14٪ والميزان التجاري انخفض إلى حد 3386 مليون دولار سلبي؟
أضف إلى كل ذلك ما أصاب ـ ويصيب ـ البلاد من مظاهر العنف والتسيّب والانفلات فستجد أن مواصلة الدولة القيام بدورها الاجتماعي والاقتصادي والأمني يعدّ في هذه الظروف من باب المعجزة التي تستحق هي الأخرى الاعجاب والتهليل من أحرار العالم.
لقد نجحت تونس منذ استقلالها وبفضل اختيارات تقدمية فرضت الإعجاب والتقدير على كبار العالم في تجاوز عقبات التمويل وجلبت الاعانات والقروض الميسّرة لبناء أسس دولة عصرية ووضعتها في مأمن من أطماع المغامرين داخليا وخارجيا. وكان بإمكان الرئيس السابق منصف المرزوقي أن يواصل في السنتين الماضيتين على هذا النهج ويستغل التعاطف الكبير مع بلادنا ليفتح لها باب التسهيلات والقروض والاعانات، لكن خدمة صورته الخاصة جعلته يتغافل عما كان تنتظره منه بلاده.
أما مهدي جمعة فرغم مجهوداته الكبيرة وتنقلاته المكوكية واستقباله من طرف كبار حكام العالم وعلى رأسهم الأمريكي أوباما فإن نجاحه لم يكن أفضل من الرئيس المؤقت.
والحقيقة فإن رؤساء الدول الكبرى والمؤسسات والبنوك العالمية وهيئاتها التي لا تتوقف عن الاشادة بما حققته تونس ثورة وانتخابات حرة وانتقالا ديمقراطيا لا يوصلون القول بالفعل ويبدون إما شحّا واضحا أو ترددا غير مبرّر لإعانة تونس التي لم تحصل في الأربع سنوات التي تلت الثورة إلا على النزر القليل تمثل في 500 مليون دولار من الولايات المتحدة، ومن وعد بقرض بـ1.2 مليار دولار من البنك العالمي يقدم بشرط وعلى سنوات عديدة.
أما الاتحاد الأوروبي الشريك الأول لبلادنا فإنه ربط إعانته بإمضاء تونس على اتفاق يفرض عليها تولي مسؤوليه التحكم في حركة مهاجريها إلى بلدان الاتحاد.
وخلافا لألمانيا التي قبلت بتحويل الديون التونسية إلى استثمارات فإن فرنسا رفضت ذلك محاولة في ذات الوقت الفوز بعقود بيع أسلحة لبلادنا.
ما عدى هذا البخل الواضح فإن كل هذه البلدان الغنية والمؤسسات لا تجف من الإطراء والثناء على بلادنا وبتصديرها مكانة ومكان القدوة و«واجهة الديمقراطية» في العالم النامي.
والسؤال هو: هل أن هذه البلدان والمؤسسات تجامل بلادنا حين تقول ما تقول أم أننا لم ننجح نحن في استثمار ما حققنا من نجاحات سياسية تاريخية؟
صحيح ان تونس اليوم «واجهة» وصحيح أن نجاحها في مواصلة ودعم انجازها الديمقراطي لا يهم غير شعبها بل كل بلدان المنطقة وكل ارتداد أو فشل ـ لا قدر الله ـ لن يدفعه التونسيون وحدهم بل كل شعوب المنطقة جميعهم.
من هذا المنطلق تكون إعانة تونس اليوم من الضروريات التي تحتمها قوانين التطور في العالم وتفرضها مقتضيات التاريخ والجغرافيا،
بقي أن تجد تونس من يوصل صوتها إلى آذان كبار العالم وليس هناك اليوم أفضل من الرئيس الباجي قائد السبسي.
فمتى يمتطي الطائرة؟
*صحفي تونسي/”الشروق”