انهيار أسعار النفط يعصف بمستقبل النظام الجزائري

فجّر انهيار أسعار النفط صراعات لم يسبق لها مثيل في أروقة السلطات الجزائرية ودفعها إلى سياسات متخبطة ومرتبكة لاحتواء التداعيات الخطيرة.
وقد أصيب بعض أطراف السلطة بسعار غريب في تكالب محموم على السلطة. وبدأت الأطراف المتصارعة بنشر الغسيل الملطخ بالفساد ونزيف هروب رؤوس الأموال إلى الخارج، الذي تبدو السلطات عاجزة عن وقفه.
الريع النفطي الذي اشترى النظام بواسطته سكوت المواطنين، بدأ ينضب، وبدأت تظهر آثار فقدان أسعار النفط العالمية لنحو 60 بالمئة من قيمتها خلال 7 أشهر، بسبب اعتماد الموازنة على عوائد الطاقة بنسبة 95 بالمئة.
ودفع ذلك عمار سعداني الأمين العام لجبهة التحرير الوطني الحاكمة بالجزائر، إلى إطلاق النار على قدمه في الأسبوع الماضي وهو ينتقد حكومة عبدالمالك سلال، التي عينها الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة، في ما يتعلق بالاحداث الدامية في مناطق الجنوب، المحتجة على مشاريع الغاز الصخري.
ولم يخف سعداني قلق السلطات حين قال إن “ما يخيفنا أن تكون تلك الأحداث محاولة لتفجير وضع مشابه لما جرى في بلدان مثل سوريا وليبيا ومصر وتونس”.
وتعد تصريحات أمين عام الحزب الحاكم تعبيرا عما يدور في الغرف المغلقة من أسرار النظام الجزائري، وهو يقوم بمهمته المقدسة لإبعاد النار عن ملابس حزبه وولي نعمته ومن نصبه، في محاولة لإلصاق جريرة ما يقع في بلاده بالآخر، وهي طريقة سهلة وغير مكلفة للتنصل من المسؤولية.
ويبدو النظام بحاجة مستميتة لمزيد من الذهب الأسود، حتى لو أدى ذلك لتدمير البيئة والبشر، بعد أن اعتاد على إهمال هواجس الجزائريين البسطاء. وهذا هو جوهر احتجاجات سكان غرداية، الذين اضطروا للاحتجاج على محاولات تدمير مناطقهم ومستقبلهم، وخاصة شريان الحياة المتمثل بالمياه الجوفية.
الغريب أن إصرار السلطات على استغلال النفط الصخري في وقت تراجعت فيه الجدوى الاقتصادية من إنتاجه بسبب تراجع أسعار النفط، حتى أن الكثير من الشركات العالمية أوقفت استثماراتها والكثير من الإنتاج.
عمار سعداني أطلق خراطيشه غير القاتلة على فاتنته فرنسا، محاولا الإيهام بأن الجنوب الجزائري كان ولايزال “محل أطماع أجنبية”.
وألقى الاتهامات الموجهة لنظامه العسكري طيلة 50 سنة منذ الاستقلال على كاهل الآخر، متناسيا أنه يرفل في ريع نفطي لا يصل إلا فتاته للمواطن القابع في الجنوب والشمال، في تدمير واضح لشروط المواطنة الواجبة.
كما تناسى سعداني أن نظامه بدد إيرادات الثروة النفطية على لوبيات وأنظمة ودول للدفاع عن وجوده وأطماعه. ولم يجد من ذرائع لتبرير فشل الحكومة سوى “مساعي الاستعمار الفرنسي لفصل الشمال عن الجنوب الذي يوجد به أمن الجزائريين” دون أن يتذكر دعم نظامه المتواصل لجبهة البوليساريو لفصل شمال المغرب عن جنوبه.
بدل أن يذرف عمار سعداني دموع التماسيح ويلوم السلطة “على الأوضاع المزرية التي تعرفها بلاده” بسبب تأخر معالجة مشاكل البطالة وتوزيع الأراضي المخصصة للسكن في بعض ولايات الجنوب، وعدم إعلام المواطنين بخصوص الغاز الصخري، كان الأوْلَى أن يكون في مستوى المسؤولية ويترك المفاتيح لمن له غيرة حقيقية على بلاده.
لكن هذا لن يقع في بلد يستعبد الناس ويلهيهم بالقشور ولا يقدم لهم أدنى ما تجود به أعماق أرضهم، حتى أصبح النفط والغاز، وبالا على البلاد والمنطقة المغاربية ككل، بدل أن يكون وسيلة للتنمية ووصول بلاد المليون شهيد إلى مستويات من العيش الرغيد.
والغريب أن يطلق المسؤولون الجزائريون تساؤلات غبية، وكأنهم لم يكونوا سببا فيما آلت إليه الأوضاع.
ما معنى أن يقول عمار سعداني متسائلا “يا رسول الله، في بلد توجد فيه ملايين الهكتارات من الأراضي ولا توزع؟”، في محاولة لإقحام رمز ديني في مسألة سياسية للتأثير على البسطاء من الناس. لم يأمر رسول الله باستبلاه الناس والسطو على مقدراتهم المادية والفكرية والنفسية، وهو بريء من هكذا كلام ومن هؤلاء المستحوذين.
ويرى بعض المحللين أن تصريحات سعداني عن حكومة سلال، لو سبقت قرار استخراج الغاز الصخري، وصاحبتها “لقاءات وتوضيحات عن استخراج أكبر طاقة حديثة، لما حصل الذي حصل، فالمواطن البسيط لا يعرف تقنيات وأسباب التنقيب، وهو يتظاهر لأنه خائف على مياه الشرب”. ويبدو هذا الانتقاد من طرف مسؤول حزبي للحكومة، مجرد تبادل للأدوار، وذر للرماد في العيون. فالمهم عند سعداني والحكومة ليس مصلحة المواطن ومحيطه، بقدر ما يهمهم ما سيدخل جيوبهم من أموال النفط.
الحقيقة الوحيدة التي قالها عمار سعداني هي أن “حزبه يتحمل جانبا من المسؤولية عن هذا الوضع بالجنوب الذي يعرف تخلفا كبيرا”. ونضيف أنه ليس الجنوب وحده بل البلاد كلها، والتي تأزمت ودخلت أنفاقا مظلمة لا يمكن الخروج منها بسهولة.
كيف سيرد عمار سعداني على قول علي بن فليس بأنه “ينتظر من الحكومة أن تتوقف عن تخدير المواطنين بادعائها أن أزمة الطاقة ليس لها آثار خطيرة على الجزائر”.
ويبدو أن بن فليس المرشح السابق لمنصب الرئيس وابن النظام الجزائري، يطلق هو الآخر رصاصه المطاطي على السلطة، ويقول بأن “النظام يجهد نفسه لإبقاء شعبنا في حالة جهل تام بآثار هذه الأزمة خوفا من تعرضه للمحاسبة والمساءلة المشروعتين”.
عمار سعداني وعلي بن فليس كلاهما وجهان لعملة نظام واحد. كلامهما يبدو مختلفا ظاهريا، لكن لا يمكن أخذ كلامهما على محمل الجد. فالنظام تغلغل بشكل لا يمكن إسقاطه بكلمات جوفاء ونخبة لا تفكر خارج فلك من يسيطرون على الوضع هناك.
انهيار أسعار النفط أصبح ناقوس خطر للوضعية التي ستؤول إليها البلاد بكل تشكيلاتها النخبوية والشعبية. وهي مقدمة واقعية لاندحار نظام تصرف في ثروة الشعب بأشكال غير حكيمة، لم تستفد منها سوى أقلية مافياوية، ستتكالب أكثر على مواقعها وامتيازاتها ما يجعل النظام يتآكل بإيقاع سريع.

*كاتب من المغرب/”العرب”

اقرأ أيضا

سباق نحو الحياد الكربوني.. المغرب يرتقي إلى المركز الثامن في مؤشر الأداء المناخي

حافظ المغرب على حضوره ضمن طليعة البلدان التي تقود السباق نحو الحياد الكربوني على مستوى العالم بارتقائه إلى المركز الثامن في تصنيف مؤشر الأداء المناخي لسنة 2025، الذي تم تقديمه، اليوم الأربعاء ضمن فعاليات الدورة الـ 29 لمؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ (كوب 29)، المنعقد بباكو في أذربيجان.

تسليط الضوء في فيينا على تطوير شراكة متعددة الأبعاد بين المغرب والنمسا

عقد في فيينا اليوم الأربعاء مؤتمر بشأن إقامة شراكة متعددة الأبعاد بين المغرب والنمسا، بمبادرة …

الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون

ما هي مشكلة الجزائر مع لجنة القدس؟!

مؤتمرا عربيا بعد آخر، وقمة إسلامية بعد أخرى، أصبح توقع سلوك المسؤولين الجزائريين الحاضرين ممكنا، بل مؤكدا، حيث يكاد تدخلهم في بنود البيان الختامي يقتصر على أمر واحد: المطالبة بسحب الإشادة برئاسة العاهل المغربي الملك محمد السادس للجنة القدس، وجهوده لمساعدة أهلها. ورغم أن الجزائر لم تنجح يوما في دفع المشاركين لسحب هذه الفقرة أو حتى التخفيف منها، فإنها تمارس الأمر نفسه في المؤتمر الموالي، وهي تعلم سلفا مصير مسعاها: رفض الطلب، وتثبيت الإشادة بالمغرب وعاهلها!

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *