شكرا للشعب السويدي

حتى عندما وعد وزير الخارجية السويدي، قبل أسابيع، بأن تعترف بلاده بدولة فلسطين، لم نكن واثقين بأنها ستفعل، فالقرار دونه ضغوط هائلة قد تعطله، من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة والقوى الاجتماعية السياسية المرتبطة بإسرائيل. لكن السويد فعلتها؛ اعترفت بدولة فلسطين، وقد تكون بداية تغيير تاريخي تتبعه بقية الدول الأوروبية، وتوقف لأول مرة مشروع إسرائيل بالقضاء على ما تبقى من وجود شرعي للشعب الفلسطيني وإنهاء حلمه بإقامة دولة فلسطين.
وليس للسويد من مصالح تُذكر مع العرب؛ فهي من أقل دول أوروبا الغربية استفادة، وليس بين شركائها التجاريين الـ10 دولة عربية، ولا توجد هناك جالية عربية مؤثرة. وهي ليست في حاجة لعون من أحد، فعدد سكانها ثلث سكان السعودية، وميزانية حكومتها تعادل ميزانية السعودية. وهذا ما يجعلنا نتأثر بموقفهم الأخلاقي الإنساني العظيم، ونقول لهم: شكرا جزيلا، شعبا وحكومة. والحق أن للسويد تاريخا إيجابيا في تعاطيها مع قضية الشعب الفلسطيني، وكان لرئيس وزرائها أولف بالما مواقف مشهودة ضد ممارسات إسرائيل، وانتهى أخيرا مقتولا في أحد شوارع استوكهولم عام 1986.
وليس كثيرا أن نطلب من الحكومات العربية أن تعبِّر عن امتنان شعوبها تجاه السويد، وتعطيها المعاملة اللائقة بها، على كل المستويات، وأن تنتقل إلى الخطوة التالية بتشجيع بقية الحكومات الغربية على الاعتراف بدولة فلسطين استباقا لمشروع حكومة بنيامين نتنياهو، الذي لم يكفّ عن تهديد الرئيس الفلسطيني محمود عباس، إن لم يتوقف عن مسعاه بالانضمام إلى المنظمات الدولية، والحصول على أكبر عدد من اعترافات الدول في أنحاء العالم. وما فعلته السلطات الإسرائيلية، أمس، بإعلان عزمها إغلاق المسجد الأقصى يُعتبر تطورا خطيرا يهدد استقرار المنطقة كلها. وعلى نتنياهو أن يعي أنه يزيد من تعقيد الأوضاع وينقل المواجهات إلى مرحلة جديدة مع معظم مسلمي العالم، فضلا عن أنه يرتكب خرقا جديدا لما وقّع عليه في اتفاق السلام.
أول من أمس، كنت مشاركا في مجلس العلاقات العربية والدولية في الكويت، وحضرت عرضا قدمه الدكتور مصطفى البرغوثي عن الحرب الأخيرة في غزة، وحجم الكارثة الإنسانية الجديدة هناك، بالمزيد من الضحايا والمشردين. ولا حل يمكن تحقيقه لإنهاء هذه المأساة المستمرة من 70 عاما إلا بحل الدولتين، الذي وعد المجتمع الدولي الفلسطينيين به، في اتفاق السلام الذي تعثر نتيجة رفض حكومة نتنياهو، وتدخلات دول مثل إيران، لتخريب كل مشروع حل سلمي عبر وكلائها المحليين.
اعتراف السويد يكسر الجليد، ويفتح الباب على مصراعيه نحو إقامة الدولة الفلسطينية على أراضي الضفة الغربية وغزة، ويضع الطرفين، الإسرائيلي والفلسطيني، أمام مسؤولياتهما القانونية. من دون الاعتراف بدولة الفلسطينيين لن يتوقف نتنياهو، ومن سيليه، عن احتلال أراضي الفلسطينيين، والدفع بالاستيلاء على ما تبقى منها. هذه العقلية العنصرية والتوسعية تتطلب جهدا دوليا، مثل الاعتراف بالدولة الفلسطينية، من أجل إثبات أن الدولة صارت حقيقة، ولم يعد للإسرائيليين وحلفائهم من وسيلة لشطب شعب بأكمله. هذا سيتطلب من الدول العربية والأخرى التي تؤمن بعدالة قضية الشعب الفلسطيني التضامن مع المطلب الدولي، والاعتراف بحقهم أخيرا.

* إعلامي سعودي /”الشرق الأوسط”

اقرأ أيضا

غزة

غزة.. قصف ونوايا إسرائيلية للاحتفاظ بالخط الأصفر

في اليوم الـ52 من بدء وقف إطلاق النار في غزة، قالت مصادر أمنية إسرائيلية أن الجيش يعتزم الاستمرار في السيطرة على المنطقة الصفراء داخل قطاع غزة في المرحلة المقبلة.

أوروبا.. فتح تحقيقات حول تفشي فيروس “اللسان الأزرق”

باشرت السلطات بإيرلندا الشمالية، التحقيق في تفش مشتبه لفيروس "اللسان الأزرق" بين الأبقار.

عمرو موسى يشيد برؤية الملك من أجل سلام عادل ودائم في الشرق الأوسط

أشاد الأمين العام الأسبق لجامعة الدول العربية، عمرو موسى، أمس السبت بطنجة، برؤية الملك محمد السادس، من أجل تحقيق سلام عادل ودائم في منطقة الشرق الأوسط.

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *