فككت السلطات الأمنية المغربية أخيرا خلية إرهابية جديدة، في سياق الحملة التي تشنها المملكة ضد الجماعات المتطرفة، والتي قادت إلى تفكيك واعتقال العشرات من الأشخاص على صلة بالشبكات المسلحة المتطرفة في إقليم الساحل أو في العراق وسوريا، كان آخرها الخلية التي أعلن عن كشفها في بداية شهر مارس الجاري، وبحوزتها أسلحة بيولوجية ومتفجرات، كانت تستعد للقيام بعمليات تخريبية، بحسب ما أعلنته وزارة الداخلية آنذاك.
بيد أن الخلية الجديدة التي أعلن عن تفكيكها الخميس الماضي هي الأولى من نوعها المرتبطة بمسمى الدولة الإسلامية في العراق والشام (فرع ليبيا)؛ لذا كان من الطبيعي أن توجه الاهتمام إلى ما يحدث في الجارة الليبية، التي تعيش مخاضا أمنيا خطيرا جراء تغلغل الجماعات المسلحة ذات الارتباط بالإرهاب الدولي، وفقدان سلطة مركزية، الأمر الذي يشكل خطورة على صعيد الأمن الإقليمي، وخصوصا على الوضع الأمني بالمغرب، الذي يتمتع حتى اليوم بحالة من الاستقرار، بالرغم من الزلازل التي ضربت بعض بلدان المنطقة.
لقد أدرك المغرب منذ بداية الأزمة الليبية، التي وصلت اليوم مبلغا ينذر بانفلات إرهابي شامل بالمنطقة، أن أمنه واستقراره رهينان بالتحولات الجارية داخل هذا البلد المغاربي وأن شظاياه يمكن أن تصل إليه؛ ومن ثم انخرط في وقت مبكر في محاولات لإيجاد مخرج للصراع بين الفرقاء السياسيين، وذلك من منطلق الاقتناع بدوره الإقليمي في الحد من منزلقات التطرف والعنف، في ظل التهديدات التي تحيق بالمنطقة، وفي غياب آلية مغاربية أو إقليمية كفيلة بخلق نوع من التعاون الأمني والسياسي المشترك بهدف الحيلولة دون سقوط المنطقة، برمتها، تحت طائلة التهديد الإرهابي. ونتيجة لذلك تبنى خيار الوساطة بين الفرقاء الليبيين، الذي أدى في النهاية إلى إنجاز اتفاق الصخيرات، بعد جولات ماراثونية، بقي إلى اليوم معلقا بانتظار تحقق الشروط الكفيلة بتنفيذه.
إقرأ أيضا: خبراء: “جنوب ليبيا قد يتحول إلى جبهة الجديدة لتنظيم داعش”
يسعى داعش إلى استغلال الوضع الليبي لزرع الفتن في المنطقة المغاربية وشمال أفريقيا، وخلق فجوة أمنية يمكنه التسلل من خلالها لاستهداف بلدان المنطقة؛ بل إن ليبيا أصبحت اليوم في مرمى أهداف تنظيم الدولة الإسلامية، بهدف تحويلها إلى منصة جديدة لعملياتها ونقطة استقطاب للمقاتلين، في ظل التطورات التي يشهدها الملف السوري، وهي تطورات لا بد أن التنظيم الإرهابي يضعها في الحسبان، ويرى أنها تتضمن احتمال نهايته، لذا فهو يبحث عن مسالك جديدة تضمن لها الاستمرار والبقاء.
يتخوف المغرب من أن يكون هناك مجندون سابقون في صفوف الجماعات الليبية المسلحة قد دخلوا التراب المغربي في الفترات الأخيرة، لتنفيذ عمليات تخريبية؛ وهو تخوف مشروع نتيجة الهشاشة الأمنية داخل ليبيا، التي تنعكس، بوجه خاص، على حصانة الحدود التي تجمع هذا البلد ببلدان أخرى، وعلى انتقال الأسلحة بينها. ويأتي تشديد المراقبة الأمنية الأخيرة بعدد من النقاط الحساسة بالمملكة كنوع من التحسب لأي هجوم إرهابي، خصوصا بعد تفجيرات العاصمة البلجيكية، التي أبانت عن وجود مجندين مغاربة في صفوف الجماعات المسلحة، مستعدين لأي عملية بذلك الحجم، الأمر الذي يستدعي المزيد من الحذر.
لقد ذكرت مصادر أسبانية مؤخرا أن اثنين من منفذي هجمات بروكسل من المغاربة قد عبروا التراب الأسباني قبل أشهر، بهدف الدخول إلى المغرب. وتجري السلطات الأسبانية تحقيقا في الموضوع بناء على معلومات تحصلت عليها من السلطات البلجيكية؛ وهذا مؤشر على المخاطر المحتملة لانتقال الأشخاص المتطرفين داخل التراب المغربي، إذ لا يستبعد أن يتسلل مهاجمون من الخارج لتنفيذ عمليات داخل البلاد، لإلحاق المغرب بقائمة البلدان التي تشهد توترا أمنيا.
بيد أن المغرب يواجه تهديدات من أكثر من ناحية، ولا تشكل الجبهة الليبية سوى الوجه الأول من الورقة. فحسب وزارة الداخلية فإن بعض أفراد الخلية التي جرى تفكيكها ينتمون إلى إقليم السمارة، جنوب شرق المملكة، وهي منطقة حدودية تقع بمحاذاة الجدار الدفاعي الذي بناه المغرب في الثمانينات ليكون فاصلا بينه وبين منطقة تندوف داخل الجزائر، معقل جبهة البوليساريو. يشير هذا المعطى إلى طبيعة المخاطر الصادرة عن الجبهة على الحدود مع المغرب إذ لا يستبعد أن يسعى مقاتلو البوليساريو إلى التحالف التكتيكي مع الجماعات المسلحة للنيل من استقرار المغرب، بالنظر إلى تلاقي المصالح عند عدو مشترك؛ فهذا احتمال يظل واردا، خصوصا أن هناك قرائن على تورط مقاتلين تابعين لجبهة البوليساريو مع جماعات مسلحة في إقليم الساحل وفي الأحداث التي شهدتها مالي.
كاتب مغربي/”العرب”