نعم، بإمكان الجزائر أن تقدم نموذجا جديدا في مشهد عربي مضطرب ومحبط. بإمكانها أن تفعل ذلك إن هي جعلت من الانتخابات الرئاسية في السابع عشر من نيسان/ أبريل المقبل فرصة ذهبية لعملية انتقال سياسي سلس تجنب البلاد أي انسداد كامل لآفاق التغيير. كان بإمكان الرؤساء بن علي ومبارك وصالح أن يتجنبوا، على الأرجح، ما حل بهم إن كانوا أبقوا لدى مواطنيهم أي بصيص أمل في أن انتخابات رئاسية نزيهة يمكن أن تجري في هذه الدول دون أن يترشحوا إليها أو يقدموا فيها أبناءهم ورثة لهم . أما القذافي والأسد فلم يكن ليراودهما أبدا تفكير من هذا القبيل حتى وإن دفع الأول حياته ثمنا لذلك، فيما يدفع الثاني إلى الآن بلدا بأكمله حطبا لنار شهوة سلطة لا تخبو أبدا.
ما أعقب سقوط هؤلاء من اضطرابات وفوضى قد يجعل الجزائريين، وغيرهم بالتأكيد، يفضلون إصلاحا تدريجيا محسوبا على فتح الباب أمام المجهول. لقد سبق لهم الاكتواء بعشرية من الدماء وعشرات ألاف الضحايا، وبالتالي فهم لا يرغبون في تغيير يهز أسس الدولة أو يسمح للعسكر من جديد بمسك السلطة بالكامل بعد أن تحكموا في جزء كبير منها لعقود من وراء الستار. قد يكون الجزائريون أيضا غير تواقين لتغيير عنيف يفتح الباب أمام فوضى محتملة، خاصة وهم يتابعون على حدودهم ما يشبه انهيار الدولة الكامل في ليبيا وحالة القلق في تونس رغم التحسن الأخير.
أمام صورة من هذا القبيل فإن الدفع نحو إعادة ترشيح عبد العزيز بوتفليقة رغم مرضه الشديد لا يعني سوى دفع البلاد إلى حافة الإنفجار، رغم أنها أفلحت في التماسك خلال غيابه الطويل في الخارج للعلاج لكنها من الصعب أن تبقى رهينة وضعه الصحي الهش إن هو قرر الترشح فعلا.
أما إذا قرر بوتفليقة ألا يترشح والتزمت السلطات بما قاله وزير الداخلية من أن الشعب هو الذي ‘سيختار من يريد بكل حرية وشفافية’ وبأن الإدارة ملتزمة ‘بالحياد التام والمطلق’، فإن الجزائر تكون مقدمة على مرحلة جديدة دون هزات أو مجازفات رغم تشكيك المعارضة في ذلك. بعض هذه المعارضة يعتبر أن ‘كل المؤشرات تدل على أن الموعد القادم سيكون مغلقا’ وفق تعبير أحمد بطاطش الأمين العام لحزب جبهة القوى الإشتراكية الذي رأى ‘من العبث والغباء السياسي الإعتقاد بإمكانية فتح المجال السياسي في غضون ثلاثة أشهر للوصول إلى اقتراع عام تعددي حر ونزيه’.
ومع ذلك، فأمام السلطة الحاكمة والمعارضة على حد سواء فرصة نادرة الآن لتجاوز امتحان الانتخابات الصعب إن هما اتفقا على شخص علي بن فليس لمنصب رئاسة الجمهورية. الرجل في النهاية إبن النظام، وإن تركه في العشر سنوات الماضية، لكن أطروحاته وبرنامجه تلتقي جميعها تقريبا مع المعارضة خاصة في التصور الذي قدمه لمحاربة الفساد وإعطاء أمل جديد لشباب الجزائر في التنمية والعمل والكرامة. بن فليس رئيس الحكومة السابق في عهد بوتفليقـــة (2000 ـ 2003)، قبل أن يختلفا ويتنافسا في انتخابات 2004، قادر أن يكون الجسر الذي ينقل البلاد من حكم يتنفس بصعوبة إلى حكم يعطي بارقة أمل في تغيير دون مجازفة باستقرار البلاد المهم للمنطقة برمتها.
قد لا يكون من السهل على طبقة الجنرالات المتنفذين، رغم أن سطوتهم تراجعت قليلا في السنوات الماضية أن يسلموا بسهولة بأن الأمور لا بد وأن تتغير، وقد لا يكون من السهل كذلك على لوبيات الفساد والرشوة التي انتعشت في عهد بوتفليقة وفي محيطه القريب أن ترى أيام المحاسبة وقد حلت بدل أيام العز، ولكن ليس من الصعب إيجاد طريقة مبتكرة لتسويات ما تجنب البلاد ويلات الإنفجار وقد يكون بن فليس، القاضي والمحامي السابق والذي خبر دواليب الدولة، هو الرجل الأنسب والأقدر على القيام بذلك. اللهم إذا ارتضى المتنفذون الحاليون أن بقاء مصالحهم لا يغطيه إلا بقاء بوتفليقة وأن رحيلهم لا بد أن يكون بتكلفة غالية إن هو تركهم يواجهون مصيرهم.
“القدس العربي”
اقرأ أيضا
المنتدى المغربي الموريتاني يرسم مستقبل تطور العلاقات بين البلدين
أشاد المنتدى المغربي الموريتاني، باللقاء التاريخي بين الملك محمد السادس والرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ …
مكسيكو.. مشاركة مغربية في مؤتمر دولي حول حماية البيئة
شارك الأمين العام لحزب الخضر المغربي ورئيس أحزاب الخضر الأفارقة، محمد فارس، مؤخرا بمكسيكو، في مؤتمر دولي حول حماية البيئة.
أليس لجنرالات حكم الجزائر من يُصحِّيهم
إنه إعصارٌ اندلع هُبوبًا على الرُّقعة العربية من هذا العالم، له جذورٌ في “اتفاقيات سايكس بيكو”، ولكنه اشتدَّ مع بداية عشرينات هذا القرن وازداد حدة في غزة، ضد القضية الفلسطينية بتاريخها وجغرافيتها، إلى أن حلَّت عيْنُ الإعصار على سوريا، لتدمير كل مُقوِّمات كيانها. وهو ما تُمارسُه إسرائيل علانية وبكثافة، وسبْق إصرار، نسْفًا للأدوات السيادية العسكرية السورية.