ليست الفوضى اختراعا ليبيا ولكن…

ما لا يُفهم من أسرار الفوضى الليبية يمكن التعرف عليه من خلال النظر إلى ما انتهت إليه الفوضى العراقية.
سيُقال إن العراق كان قد تعرض لاحتلال أجنبي لم تتعرض له ليبيا.
ولكن ما الذي تبقى من الدولة الليبية بعد أن “حررتها” ضربات الناتو الجوية من حكم العقيد؟
لا شيء تماما، مثلما هو حال العراق الذي “حرره” الغزو الاميركي من نظام صدام حسين ليلقيه في أحضان الفوضى.
سيقال إن ما اختفى من ليبيا هو نظام الجماهيرية التي أنشأها القذافي بما يناسب مزاجه المنقلب على نفسه ولم يكن هناك أثر للدولة لكي تختفي.
اما العراق فقد كانت دولته قائمة حين وقع الغزو الاميركي وجرى شطبها بعد ذلك بجرة قلم من قبل رئيس سلطة الاحتلال يومها بول بريمر. ولكن هل علينا أن نصدق أن الدول يمكن شطبها بجرة قلم؟
كانت الدولة العراقية قد اهترأت بسبب سياسات عمياء قادت البلاد من حرب إلى أخرى وصولا الى الحصار الدولي الذي فرض على العراق والذي استمر ثلاثة عشر عاما، فقدت الدولة فيها الكثير من قدرتها على المبادرة.
كان ذلك الزمن العصيب ضروريا بالنسبة للقوى الدولية في مواجهة دولة مثل العراق، ولم يكن ضروريا في مواجهة ليبيا التي لم تكن جماهيريتها تنطوي أصلا على كيان ثابت يُذكر بالدولة.
ولكن النتيجة كانت واحدة.
فحين غزا الجيش الاميركي العراق برا كانت الدولة العراقية تستعد للذهاب إلى مهجعها الاخير، أما حين غزت قوات الناتو ليبيا جوا فقد كان قادتها على يقين من أن أهدافهم هي مزيج من كتائب عسكرية لم تكن مستعدة للقتال وقوى شعبية كانت عبارة عن واجهات صورية، لم تكن تدير بنية ادارية واضحة المعالم.
كان مفهوم الحرية الذي تبنته مادلين اولبرايت يتطابق مع مفهوم الفوضى الخلاقة الذي اشاعته كونداليزا رايس. هذه شعوب تعبر عن توقها إلى الحرية عن طريق الفوضى. جل ما ترغب فيه تلك الشعوب أن تتحرر من عبء الدولة الثقيل.
ما قامت به الولايات المتحدة مباشرة في العراق حين سمحت قواتها بانتشار الفوضى من خلال اشرافها على سرقة المتاحف وحرق المكتبات ودور العبادة ودوائر النفوس والسجل العقاري قامت به في ليبيا جماعات مسلحة، بعضها كان مرتبطا بتنظيم القاعدة.
ولم تكن تلك الجماعات ذات صلة بالتمرد الشعبي الذي بدأ شرق البلاد، بل أنها كانت قد اُحضرت على عجل من اجل أن تؤدي مهماتها في مرحلة ما بعد سقوط النظام.
كانت حراسة الفوضى هي المهمة الرئيسة التي أوكلت إلى تلك الجماعات. فهل فعل المالكي وسواه من سياسيي عراق ما بعد الاحتلال شيئا غير أن يكونوا حراسا للفوضى؟
فبعد ثمان سنوات من قيام حكومة منتخبة في العراق لا يزال نزول الجماعات المسلحة إلى الشوارع أمرا ممكنا في أية لحظة.
هناك أطراف في ما يسمى بالعملية السياسية، الحكومة من بينها تعتمد على أذرعها المسلحة في فرض إرادتها على الآخرين وهو ما يحدث اليوم في ليبيا تماما.
فما لا يقتنع به الآخرون عن طريق الحوار يمكن فرضه على الأرض بقوة السلاح.
اما الانتخابات وسواها من تقنيات الديمقراطية فهي ليست سوى مناسبات لإنفاق المليارات من أجل التجييش القبلي والطائفي، وصولا إلى وضع نتائجها التي لن تكون نزيهة في خدمة الفوضى، حيث التجاذبات تقع بعيدا عن الرغبة الحقيقية في قيام دولة مدنية، يكون مبدأ المواطنة عمودها الفقري.
لذلك فان ليبيا وقد وضعت عل الطريق الذي وضع عليه العراق في وقت سابق لن تكون في أحسن أحوالها سوى عراق آخر.
” ميدل ايست أونلاين”

اقرأ أيضا

الصحراء المغربية

منزلقات تأويل موقف روسيا من المينورسو

أثار التصويت على قرار مجلس الأمن الدولي بخصوص التمديد لبعثة المينورسو جدلا كبيرا في مختلف …

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *