تهاوي الدعاية الاقتصادية الجزائرية “صفر ديون خارجية” رسميا!!

بقلم: هيثم شلبي

قديما قالت العرب: “اتسع الفتق على الراتق” أو “الراقع”، عندما تريد التدليل على أن الخلل في مجال ما، قد تجاوز حدود إمكانية احتوائه، وعمل “رقعة” له تستر عورته وتخفي ما هو تحته. هذا المثل القديم لا يمكن أن يغيب عن البال ونحن نطالع الأخبار الاقتصادية التي تتوالى من الجزائر، المنكوبة بنظامها العسكري. أخبار تشي بأن النظام الجزائري، وأمام سوء الوضع الاقتصادي للبلاد، قد قرر التخلي عن حجر الزاوية في التدليل على متانة “القوة الضاربة”، والمتمثل في مقولة “الجزائر بلد الديون الخارجية الصفرية” والتي جرت العادة أن تكون متبوعة بالتصريح المثير للسخرية من الرئيس تبون: “اللي يسال يجي يخلص”، دليلا على استعداد البلاد على سداد أي ديون قد تكون على الدولة!!

آخر الأخبار في هذا المجال قصاصتين لم يفصل بينهما إلا ساعات. الأولى جاءت على لسان رئيس مجموعة البنك الإسلامي للتنمية محمد سلمان الجاسر، الذي قال أن السلطات الجزائرية تقدمت بطلب للحصول على قرض من البنك بقيمة 3 مليارات دولار، من أجل تنفيذ مشاريع تنموية وعلى رأسها مشاريع السكك الحديدية المبرمجة. ثاني الأخبار جاءت على لسان رزيقة ميقاتي مديرة المديونية العمومية بوزارة المالية الجزائرية، والتي قالت فيها بأن بلادها بصدد إصدار صكوك سيادية خلال الشهر المقبل من أجل “تمويل المنشآت والتجهيزات العمومية ذات الطابع التجاري”!! صحيح أن الجاسر قال في محاولة للتغطية على فضيحة الجزائر التي لا تستدين، بأن تصريحه أسيء فهمه، وأن ما قدمه البنك الإسلامي للتنمية هو “خط ائتمان بقيمة 3 مليارات دولار”، يمكن للجزائر أن تستفيد منه أو ترفضه، ولم يقل كلمة قرض، إلا أن توقيع الحكومة لاتفاق يتيح لها الحصول على قروض بالقيمة المذكورة، حتى ولو لم تحصل على القرض الآن، فهو لا يغير من الواقع شيئا. طبعا يحق للرئيس تبون ما لا يحق لغيره، وبإمكانه إعادة تعريف مصطلح ديون في الاقتصاد العالمي وإخراج القروض والصكوك السيادية، وحتى خطوط الائتمان من ضمن المصطلح، حتى يستمر هو وإعلامه الدعائي في التبجح بأن الجزائر في وضعية “زيرو ديون”!!

هاتين القصاصتين الإخباريتين ما هما إلا “شجرة تخفي غابة” المشاكل الاقتصادية التي تهدد بإغراق البلاد، حرفيا، في وضع لا قبل لها بمواجهته. ولنبدأ بأهم الأرقام، التي يمكنها أن تساعد في إلقاء الضوء على غابة المشاكل الاقتصادية الجزائرية. فحسب أرقام وزير المالية الجزائرية لعزيز فايد، فإن مجمل الدين العام الجزائري يتجاوز 127 مليار دولار، لا يتجاوز الخارجي منها (حسب أرقام البنك المركزي الجزائري لعام 2024) ما مجموعه 3.3 مليار دولار (وليس صفر دولار يا سيد تبون!!) هذا الدين العام الذي يتفاقم عاما بعد آخر، لم يكن بالإمكان مواجهة كارثة التصريح به سوى بعد “نفخ” الناتج الداخلي الخام إلى 267 مليار دولار، حتى يقال -زورا وبهتانا- أن هذه الديون لا تشكل سوى 47.5 بالمئة من الناتج الداخلي الخام (في المقابل، فالدين العام للمغرب غير النفطي وصل العام الماضي إلى 105 مليار دولار!!).

ومما يزيد من قتامة هذه الصورة، أن الموازنة الجزائرية في حال عجز دائم، والذي قدر هذا العام بحوالي 50%!!، فمن أصل 128 مليار دولار التي هي ميزانية الدولة هذا العام، ستعجز الحكومة عن توفير موارد تتجاوز 64 مليار دولار، لتبقى ال 64 مليارا المتبقية في خانة العجز (هذا العجز كان في حدود 43 مليار دولار في 2024!!) هذا مع العلم أن هذه الميزانية مبنية على سعر افتراضي للنفط بقيمة 70 دولارا للسنوات الثلاث المقبلة، وفي حال نقص عن ذلك (كما هو حاصل الآن ومرشح لمزيد من التدهور خلال ولاية ترامب) فإن ذلك يعني تناقص الإيرادات، وبالتالي زيادة عجز الموازنة عما هو متوقع. ولأن المصائب لا تأتي فرادى، فإن المورد الأساسي للبلاد المتمثل في الطاقة (النفط والغاز) تشهد موارده حالة تراجع في السنوات الأخيرة. فمن 60 مليار دولار في 2022 هبط الرقم إلى 50 مليارا في 2023، قبل أن يهبط إلى 45 مليارا في 2024 (كان الرقم في حدود 34 مليار دولار في سبتمبر 2024). وتتوقع الحكومة الجزائرية أن يستمر هذا التراجع بنفس الوتيرة خلال السنوات الثلاث المقبلة.

وعليه، وأمام دين عام يتفاقم، وعجز موازنة يشتد بسبب تقلص الإيرادات أمام النفقات، ومداخيل نفطية (عصب اقتصاد البلاد) تتراجع، تبدو الخيارات شبه منعدمة امام النظام الجزائري، وهي تدور حرفيا بين خيارات “أحلاها مرّ”. فلمنع تدهور الوضع وإفلاس البلاد إما أن نقترب من ميزانية الجيش، التي قدرت هذا العام ب 25 مليار دولار، بالرغم من أنها لم تشتر سلاحا بعشر هذا المبلغ!! وهي مبالغ تذهب إلى جيوب سادة هذا النظام، والاقتراب منها “من المحرمات”؛ أو أن تقوم الحكومة بإجراء تخفيضات حادة على النفقات، وهو ما تقوم به عمليا دون إعلان، لأن من شأن ذلك أن يعيد الجزائريين إلى ساحات المدن والقرى للمطالبة بإسقاط النظام الفاشل، الجاثم على صدورهم منذ الاستقلال الصوري عن فرنسا. وكسبا للوقت، لم يبق للحكومة سوى فتح باب الاستدانة الخارجية والداخلية على مصراعيه، حتى ولو اضطروا لهدم أحد ركائز دعاية النظام الأثيرة على قلبه: “زيرو ديون خارجية”. خيار لن يفيد إلا في شراء بعض الوقت، لأن مفاقمة الديون العامة للبلاد كنسبة من الناتج الداخلي الخام هي الطريق المضمون ل “إعلان الإفلاس”! وإعادة نفخ أرقام الناتج الداخلي الخام بالتلاعب بالسنة المرجعية للحساب، وبقيمة الدولار الرسمي، لن تكون ممكنة دائما، وسيفضحها الواقع قبل أي شيء آخر. أما المراهنة على الاستثمارات الخارجية، الدعاية الأثيرة الجديدة للنظام ورئيسه، فيعلم الجزائريون قبل غيرهم أن طبيعة نظامهم المغلق، والسنوات الضوئية التي تفصله عن معايير العمل الدولية، وعدم تصور إمكانية تخفيف النظام العسكري لقبضته الممسكة بمقادير البلاد والعباد، يجعل من مهمة جلب مقدار معتبر من الاستثمارات الخارجية، التي تستطيع توفير مداخيل وفرص عمل، هو أمر شديد التعذر، على الأقل في ظل النظام الحالي.

كخلاصة، فقرض البنك الإسلامي للتنمية وصكوك وزارة المالية السيادية ما هي إلا فاتحة فصل جديد من الاستدانة، والتي ستكون مفرطة وبوتيرة سريعة، بسبب حاجات البلاد الكبيرة للأموال. أما خيار تغطية مصاريف التسيير عبر طبع الأموال، فستسهم في مفاقمة التضخم وتهديد القدرة الشرائية للجزائريين، المتدهورة أصلا، وهو الذي بدوره سيعجل في “تهديم” خرافة السلم الاجتماعي الذي تتمتع به “الجزائر الجديدة”. ولأن “حبل الكذب قصير”، فسرعان ما ستنكشف تباعا زيف الدعاية الكاذبة للنظام في شتى المجالات، ووهم ما يروجه من أوهام وبطولات فارغة، وسيقف الجزائريون أمام الحقيقة العارية: “لقد تأخرنا كثيرا في كنس هذا النظام، وبدء صفحة جديدة نمتلك فيها زمام مصيرنا دون العسكر وبيادقهم”!

اقرأ أيضا

2548

رزان مغربي تتعرض لإصابة خطيرة خلال حفل فني في الجيزة

تعرضت الفنانة والإعلامية اللبنانية رزان مغربي، مساء أمس الخميس، لإصابة خطيرة في الرأس، أثناء مشاركتها …

مدير بمعهد هدسون: العلاقات مع المغرب ركيزة من ركائز السياسة الخارجية الأمريكية

أكد مايكل دوران، مدير مركز السلام والأمن في الشرق الأوسط التابع لمعهد هدسون الأمريكي، أن العلاقات القائمة بين الرباط وواشنطن تعد ركيزة من ركائز السياسة الخارجية للولايات المتحدة، سواء على مستوى المنطقة أو القارة الإفريقية، وخارجهما أيضا.

رفع السرية عن المستفيدين من الصفقات العمومية

تهم الماء والتجهيزات.. لجان برلمانية تحسم الاثنين في مقترحات قوانين

ستناقش الفرق البرلمانية الاثنين المقبل، مقترحات قوانين مطروحة على طاولة التصويت. وأعلنت لجنة البنيات الأساسية …