“في السنوات المقبلة، سيتعين على الشرق الأوسط تسوية مشاكله بنفسه”. هكذا افتتح الكاتب الفرنسي تيري ميسون مقاله الذي عنونه “الشرق الأدنى اليتيم”.
الكاتب الفرنسي، التي تدرج كتاباته في إطار نظرية المؤامرة والموالي لنظام بشار الأسد، أكد أن الولايات المتحدة التي فرضت إرادتها على العالم منذ العالمية الثانية، وروسيا التي تدخلت في المنطقة لمواجهة الجماعات الإسلامية المسلحة، لا تنويان مستقبلا لعب دور كبير في المنطقة.
وبالتالي على شعوب المنطقة، التي جعلتها القوى الكولونيالية تتصرف بصبيانية طوال قرون وتؤلب بعضها على بعض، يضيف تيري ميسون ، أن تظهر بأنها بلغت سن النضج.
مرد هذا التحول في نظر صاحب كتاب “الخديعة الكبرى” هو الصعوبات الاقتصادية التي تواجهها القوتان العظمتان. فالولايات المتحدة، التي خططت على عهد جورج بوش الإبن لأن يكون القرن 21 “أمريكيا”، لم تعد لها الموارد الكافية لتحقيق ذلك وهو ما جعلها تفسح المجال أمام روسيا والصين للعب دور أكبر، وبالتالي ينبغي عليها تركيز مجهوداتها على الشرق الأقصى، إذا كانت ما تزال قادرة على ذلك.
إقرأ أيضا: هل بات مشروع تقسيم ليبيا قريب التحقق؟
وتبدو معالم السياسة الخارجية الأمريكية الجديدة، كما أظهرته السبع سنوات التي قضاها باراك أوباما في البيت الأبيض، قائمة على عدم التدخل العسكري في الشرق الأدنى تحت أي مبرر، والتخلص من التبعية للنفط السعودي وعدم إهدار الوقت مع السعوديين، والاستمرار في الحرص على أمن إسرائيل لكن مع التأكيد على أن الأخيرة لا يجب عليها أن تعول على الدعم الأمريكي في حال كانت ما تزال تطمح لتحقيق هدفها بالتمدد من الفرات إلى النيل.
من جانبه، يعي الرئيس الروسي فلاديمير بوتين حساسية الوضع الاقتصادي الذي تعيشه بلاده، حيث قادت العقوبات الغربية إلى تسجيل تراجع اقتصادي بنسبة 3.7% السنة الفارطة، وينتظر أن تصل إلى 1.8% السنة المقبلة، قبل العودة إلى تحقيق نسبة نمو.
في الوقت ذاته لا يتوفر البنك المركزي سوى على 387 مليار دولار كرساميل، وبالتالي فإن موسكو تفهم جيدا أن عليها أن تكون أكثر تقشفا إن هي أرادت عبور العاصفة الاقتصادية.
لذلك سحبت روسيا طائراتها المقاتلة من سوريا، والتي لن نراها مجددا كما يؤكد تيري ميسون ، مضيفا أن ما يبقي موسكو في المنطقة – هو نفس السبب الذي يبقي الولايات المتحدة- وهو ضرورة الإطاحة بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان قبل أن تقود سياساته الاستعلائية وتوظيفه للإرهاب إلى كارثة عالمية. هذا ما يجعل موسكو واشنطن تؤيدان الأكراد ضد أردوغان، يقول ميسون، في حين لن تتدخل القوتان العظمتان في حال دخل الأكراد في صراع مع الحكومة السورية.
انسحاب القوتين العظمتين من المنطقة هو ليس فقط مفاجئا وغير متوقع، بل هو حاصل مسبقا. هذا الانسحاب يترك الشرق الأدني يتيما. ولأن الطبيعة تأبى الفراغ، فإن التنافس بين السعودية وإيران بدأ من أجل اتساع رقعة تأثيرهما.