خبر صغير كان كفيلا بإثارة حفيظة وسائل إعلام جزائرية، وإثارة انتباه بعض نظيراتها في المغرب، ويتعلق الأمر بصواريخ PHL03 AR-2. الخبر الذي صيغ في البداية بمبالغة تتعلق بقدرة هذه الصواريخ “على ضرب العمق الجزائري وتهديد معظم الجنوب الإسباني”، وذلك نتيجة قلة معلومات كاتب المقال بالخصائص الحربية للصاروخ، سرعان ما تلقفته الصحافة الجزائرية وضخمته وتعاملت معه كحدث جلل.
الغريب، أن هذة الصواريخ التي يعلم عدد ما اقتناه المغرب منها (كتيبة تضم 36 راجمة)، قد تم منذ خمس سنوات في صفقة معلنة ليس فيها أدنى ظلال من السرية، الأمر الذي يجعل من إثارة الموضوع، وردود الفعل الجزائرية عليه أمرا غير مبرر. مصدر استغراب آخر، يتعلق بعدم تمحيص الطرفين في الصفات التي أضفيت على الصاروخ وقدرته على ضرب عمق التراب الجزائري والإسباني، مع العلم أن مداه الفعلي هو في حدود 100 كيلومتر، ولا يزيد في أقصى الحالات عن 150 كيلومترا، ناهيك عن أن وظيفته دفاعية محضة، فكيف تحول إلى سلاح يهدد العمقين الجزائري والإسباني؟؟ ثم، ألم يلفت انتباه من كتب الخبر ومن أثار زوبعة حوله، أن نشر المغرب لهذه الصواريخ في محيط مدينة “ميدلت” التي تبعد عن الحدود الجزائرية بأكثر من 300 كيلومتر (ضعف المدى الاقصى للصاروخ) وضعف هذه المسافة من التراب الإسباني، كفيل بنفي أية نوايا عدائية من المغرب تجاه جيران الشرق والشمال؟؟
للمزيد: تجاوزت المغرب بكثير: الجزائر الأولى إفريقيًّا في الإنفاق العسكري
ولو تجاوزنا عن سياق نشر الخبر، لنتأمل أكثر في سياق الاعتراض عليه، لطالعتنا علامات استفهام كبرى تهم دائما تجند وسائل الإعلام الجزائرية لافتعال الأزمات ونشر الأخبار المغلوطة حول كل نشاط مغربي مشروع. إذ كيف يعقل أن تبرر لحكومتها تكديس الأسلحة، دفاعية وهجومية بإنفاق تجاوز 43 بالمائة من مجمل ما أنفقته القارة الإفريقية مجتمعة خلال السنوات الخمس الأخيرة، وتنتقد المغرب في مسعاه لحفظ أمنه الوطني من التهديدات الخارجية عبر اقتناء “أسلحة ذكية” بميزانية بعيدة كل البعد عن البذخ الجزائري؟ كيف تستسيغ هذه الصحف الجزائرية قيام حكومتها برفع ميزانية التسلح من ستة مليارات دولار عام 2010 بمقدار مليار ونصف سنويا إلى حدود هذا العام الذي تجاوز فيه إنفاقها على التسلح العشرة مليارات دولار، وهو ضعف ما أنفقته على المعرفة وتطوير الرأسمال البشري الجزائري، وفق ما صرح به خبراء جزائريون؟ هل يعتبر اقتناء المغرب لصواريخ PHL03 الصينية الدفاعية عملا عدائيا، بينما اقتناء الجزائر لمنظومة صواريخ S300 و S400 تريومف التي يتجاوز مداها ال 400 كيلومتر عملا من أعمال السيادة، تتوجب الإشادة بعبقرية من أقدم على شرائها؟ هل تم اقتناء هذه الصواريخ بهذا المدى للهجوم على اسبانيا أو قبائل الطوارق؟
للمزيد: لهذا اقتنت الجزائر أقوى أسلحة الدفاع الجوي من روسيا
ولو تجاوزنا عن مسألة الصواريخ، من يمكن له أن يكون متهما بتأجيج سباق التسلح بين البلدين الجارين: من يمد يده بالسلام مطالبا دون كلل أن يفتح البلدان صفحة تعاون تعود بالرخاء على الشعبين الشقيقين وباقي شعوب المغرب الكبير، أم من يحتضن عصابات انفصالية مسلحة تهدد وحدة أراضي البلد الجار؟ هل هو من ينفق عشرة مليارات دولار على شراء الأسلحة أم ينفق أقل من ثلث هذا المبلغ؟
للمزيد: تقرير دولي: الإنفاق العسكري الجزائري يفوق المغرب بأكثر من أربعة أضعاف
إن خيار المغرب بتعزيز ترسانته من الأسلحة هو خيار ضروري في ظل جار يقوم الممسكون بزمام أموره بتكديس الاسلحة بشكل يتجاوز حدود وطبيعة التهديدات التي يتعرضون لها. والأهم، أنه اتخذ قرارا باقتناء ما هو “ذكي” من هذه الأسلحة، وما يعتبر إضافة تقنية على ما تقتنيه الجارة الجزائر، الأمر الذي يؤكد الطبيعة الدفاعية، والأهم الردعية، لكل من تسول له نفسه التعدي على سيادته الوطنية، مباشرة أو “بالوكالة”، وفي قلب هذه السيادة الأقاليم الجنوبية للمملكة. فهل يفئ النظام الجزائري إلى رشده ويعلي مصلحة المغرب الكبير على كل ما عداها من أوهام؟ الأيام وحدها كفيلة بالإجابة على هذا السؤال.