خصصت مجلة “جون أفريك” الفرنكفونية المعروفة مقالا حول ليبيا التي تحولت في نظرها إلى ملجأ للتنظيمات الجهادية، التي تأتي إليها للتزود بالمؤونة والسلاح وإعادة تنظيم نفسها.
في ظل هذا الوضع يبدو وزير الدفاع الفرنسي جون إيف لودريان كرجل في عمق الفيافي ينادي أصحابه بأن الأسد يقترب في حين ما تزال أعينه هؤلاء متركزة على الفيل.
في نظر المجلة، تبدو فرنسا وحدها من تعبأ من أجل لفت الانتباه إلى ضرورة التصدي للتهديدات الإرهابية في ليبيا، في الوقت الذي يتجه فيه تركيز الدول الغربية إلى مواجهة تنظيم “داعش”.
لودريان سبق وأن وجه تحذيرا للدول الغربية في بداية سبتمبر الحالي بأن جنوب ليبيا صار ملاذا للجماعات المتطرفة، داعيا إلى التحرك بسرعة قبل أن تصير البلاد تحت سيطرة الجهاديين.
سرعة التحرك لا تعني بالنسبة لفرنسا التدخل عسكريا، تؤكد جون أفريك، فباريس ليست لديها النية ولا الوسائل من أجل خوض مغامرة من هذا النوع، كما أن حلفاءها في الولايات المتحدة وبريطانيا لديهم هواجس أخرى. ما تسعى إليه باريس بالخصوص هو تحسيس الرأي العام الدولي بضرورة معالجة المسألة الليبية بسرعة، تضيف المجلة نقلا عن وزارة الدفاع الفرنسية.
وتضيف “جون أفريك” أن لودريان، نقلا عن مقربين منه، يرى أن التدخل في العراق دون معالجة المشكلة الليبية لن يجدي نفعا، لأن ليبيا التي صارت “جهادستان” جديدة منذ سنتين، تهدد بفشل عملية “سرفال” التي قامت بها القوات الفرنسية في مالي وعملية “سانغريس” بإفريقيا الوسطى، كما قد تكون لها ارتباطات بالهجمات التي تقودها جماعة “بوكو حرام” في نيجريا.
وتؤكد المجلة أن تواجد المئات، أو ربما الآلاف من العناصر الجهادية بمنطقة فزان وإقليم برقة يثير مخاوف الجيران الجنوبيين لليبيا وهما النيجر وتشاد. هؤلاء الجهاديين يعتقد أنهم يأتون من كل مكان، من الجزائر ومالي وتونس ومصر وحتى سوريا، ونجد بينهم عناصر تنظيم “القاعدة في المغرب الإسلامي” وعناصر تنظيم “المرابطون” و”أنصار الشريعة”.
بعض الخبراء، من بينهم الألماني ولفرام لاشير، وهو من بين الباحثين القلائل الذين زاروا الجنوب الليبي، يرون أن حجم التنظيمات الجهادية في ليبيا قد تم تضخيمه. لاشير يؤكد أنه من ما لاشك فيه تواجد عناصر جهادية هناك، لكنها لا تقيم معسكرات للتدريب كما يعتقد، فوجودها “غير متجذر لأنها تتحرك باستمرار وبسرية”.
وتنقل الجريدة رأي مصدر عسكري فرنسي في الموضوع، حيث يعتبر هذا الأخير أن هاته التنظيمات لا تسعى إلى إقامة دولة خلافة هناك، بل تتخذ المنطقة بالأساس كمجال للعبور وأخذ قسط من الراحة بما يسمح لهم التدريب والإعداد للهجمات.
مصدر نيجيري أكد لجون أفريك أنهم على علم بالكتائب التي تم تشكيلها هناك، من بينها “الكتيبة 118” وكتيبة “المغاوير”، وأنها تتشكل من بضع مئات من الأفراد وتتوفر على ترسانة مهمة من بينها سيارة نقل محملة بأسلحة ثقيلة.
مصادر عسكرية فرنسية أكدت للمجلة تواجد بعض أبرز الوجوه الإرهابية بالمنطقة، من بينها عبد المالك درودكال، أمير القاعدة في المغرب الإسلامي ومختار بلمختار زعيم تنظيم “المرابطون” وكذا قادة تنظيم “أنصار الشريعة”.
أحد المصادر من إحدى الدول المجاورة لليبيا أكد أن هاته العناصر الجهادية “لا تتدخل في الصراعات المحلية التي يكون طرفا فيها الطوارق أو قبائل التبو أو اولاد سليمان، كما أنها لا تسعى للسيطرة على طرق التهريب، وتقتني حاجيتها من عند الساكنة المحلية، بل حتى إنها نسجت علاقات مع السكان وزعماء القبائل”.
وتضيف المجلة أن الوجود الجهادي متمركز بالخصوص في سواحل إقليم برقة وبدرنة وبنغازي بالخصوص، حيث تعتبر مصالح الاستخبارات الغربية أنها مركز اتخاذ القرار، وكذلك في جنوب البلاد قرب الحدود مع مصر.
على طول هاته المنطقة الشاسعة، والتي تغيب فيها المراقبة، تتحرك العناصر الجهادية بكل حرية، يقول مصدر نيجيري، حيث يسلكون نفس الطرق التي يتم عبرها تهريب الأسلحة والمخدرات والبشر.
القلق الفرنسي يتمثل في تشكل “قوس جهادي” يمتد من العراق إلى نيجيريا مرورا عبر سوريا وشبه جزيرة سيناء والصومال ومنطقة الساحل، وبأن تبدأ عملية تنسيق كبيرة تجمع بين “الدولة الإسلامية” و”القاعدة في المغرب الإسلامي” و”أنصار الشريعة” وتنظيم “الشباب” و”المرابطون” وحركة “موجاو” و”بوكو حرام”.
بعض المحللين يؤكدون أن الانتصارات الأخيرة لجماعة “بوكو حرام” في ولاية بورنو بنيجريا تمت بفضل أسلحة قادمة من ليبيا والسودان عبر النيجر وتشاد بالخصوص.
لهذا، فإن أي تدخل عسكري في ليبيا، يؤكد مصدر من الجيش الفرنسي، سيكون هدفه فك الارتباط بين هاته الجماعات والحد من قدرته على الهجوم، أما عودة النظام والمؤسسات الدستورية في ليبيا “فتلك قصة أخرى”، يضيف المصدر.