الكل يرفع شعار محاربة تنظيم “داعش” في ليبيا والقضاء عليه، سواء كانت الحكومات الثلاثة المتنافسة في البلاد أو دول أوروبا أو الولايات المتحدة.
لكن، بالإضافة إلى التشكيك المصاحب لنوايا بعض الأطراف في القضاء على التنظيم، تبقى الحقيقة الأخرى هو كون بعض الأطراف المتناحرة في ليبيا تحمل كرها لبعضها البعض أكثر مما تحمله لتنظيم “داعش”، والحقيقة الثالثة هي كون القضاء على التنظيم أصعب مما يتصور.
من جهة، تطرح مسألة عدد المقاتلين الذين يتوفر عليهم التنظيم، والذين يصلون إلى 6500 مقاتل حسب بعض التقديرات، يتوزعون على مناطق مختلفة أبرزها معقل “داعش” في ليبيا، بمدينة سرت، والذي يقودهم الأمير عبد القادر النجدي المعين من قبل قادت التنظيم في سوريا في شهر مارس الماضي.
تنظيم “داعش” في ليبيا أعاد صياغة نفس النموذج التنظيمي للجماعة المتطرفة في مركز قياداتها بسوريا، ومحاربته تبقى رهينة حسب الدول الغربية بتقدم حكومة الوفاق الوطني بطلب للأمم المتحدة في هذا الشأن لتمكين المنتظم الدولي من التدخل عسكريا في البلاد، بالرغم من عدد من التحذيرات التي تؤكد أن مثل هذا التدخل لن يزيد الأمور إلا تعقيدا وقد تكون له نتائج عكسية.
من جهة أخرى، يخشى أن يقود أي تواجد لقوات أجنبية فوق التراب الليبي بدعوى محاربة “داعش” إلى دفع مزيد من المجندين لتعزيز صفوف التنظيم الذي سيعرف تزايدا في شعبيته حسب ما تقوله بعد التحليلات.
بعد القراءات الأخرى لمسار تنظيم “داعش” في ليبيا ترى بالمقابل أنه يواجه مشاكل بسبب توافد المقاتلين الأجانب الذين أصبح الليبيون ينظرون إليهم كقوة احتلال. كما أن تعزيز صفوفه بمقاتلين من إفريقيا جنوب الصحراء، حيث يواجه الأفارقة الزنوج صورا نمطية حولهم، يزيد من حالة النفور من “داعش”.
المشكل الآخر المرتبط بمحاربة “داعش” في ليبيا هو كون ذلك يتطلب وجود قوات عسكرية مدربة، في حين أن الحاصل هو وجود بقايا جيش وميليشيات مسلحة متناحرة في ما بينها.
مواجهة “داعش”، سواء قامت به قوات دولية أو ليبية، رهين بتحسن الوضع السياسي في البلاد من خلال تمكن حكومة الوفاق المدعومة دوليا من الإمساك بمقاليد السلطة في البلاد، وهو الأمر المستبعد حاليا، حيث يظهر أن دخولها على الخط زاد من حالة الاقتسام بدل توحيد الصف الليبي، حيث أصبحت البلاد فعليا بثلاثة حكومات بدل حكومتين متناحرتين.
حكومة فايز السراج، التي من المفروض أنها تمتلك المشروعية الآن الممنوحة من قبل الأمم المتحدة، تواجه صعوبة في فرض سلطتها على باقي الأطراف التي تقسم شرق وغرب ليبيا، ممثلة في “فجر ليبيا” والميليشيات الداعمة لها وقوات “الجيش الوطني الليبي” بقيادة خليفة حفتر، ناهيك عن الوضع المتشرذم كلما اتجه المرء جنوبا حيث تتوزع الولاءات بين هذين المعسكرين وتسود التوترات القبلية والإثنية.
وحتى مع فرضية تمكن أحد الأطراف من طرد “داعش” خارج سرت، تبقى مخاوف بعض المراقبين من أن يستطيع التنظيم استعادة توازنه من خلال التمركز في الصحراء الليبية ما يعني استمرار خطره على ليبيا ودول الجوار.