لن يتاح للناخبين الفرنسيين، على ما يبدو، التفكير بهدوء يومه السبت المخصص للتأمل، قبل الاختيار لصالح من سيصوتون غدا الأحد، ليتبوأ منصب رئاسة الجمهورية .
وكما توقع محللون منذ مدة، فإن المعركة من أجل الرئاسة في فرنسا، لن تمر وتنتهي دون أن تخلف غبارا كثيفا في الساحة السياسية قد يدخل البلاد، مهما كان اسم ولون المرشح الفائز، في دوامة من الجدل الساخن واشتداد القيل والقال؛ ليس عن سلامة ونزاهة العملية الانتخابية في حد ذاتها،بل سيتسرب شك الفرنسيين إلى مجمل منظومة دفاع الأمن الاليكتروني لبلادهم بعد ما باتت معرضة لأخطار محدقة من مجموعات القراصنة و”الهاكرز” التي تهدد بهتك إسرار أية دولة، خاصة إن كانت مؤثرةفي العالم كما هو الحال بالنسبة لفرنسا وقبلها الولايات المتحدة.
واختار القراصنة الذين يبدو أنهم يتوفرون على غطاء كثيف وتواطؤ من “لوبيات” مجهولة لها مصلحة في زرع الفتنة لقاء مقابل تجهل طبيعته وقيمته، مثلما تجهل نوعية الأسلحة الالكترونية الهاتكة للأسرار المخترقة للحجب التي يستعملونها.
وما حدث في فرنسا للمرشح “ماكرون” يعيد إلى الأذهان ما جرى من قبل في الولايات المتحدة للمرشحة “هيلاري كلينتون” التي حملت في أحدث تصريح لها، مسؤولية خسارتها إلى سوء تصرف استخبارات بلادها، وإلى اختراق روسي لمنظومتها الالكترونية ما سهل الولوج والاطلاع على الكثير من الوثائق والمستندات المتعلقة بإستراتيجية حملتها وكشف نقاط ضعف استغلها منافسها في السباق نحو البيت الأبيض.
ويوجد تشابه بين ما وقع في البلدين منحيث توجهات المرشحين الأربعة؛ إذ يصنف “ترامب” في خانة اليمين الشعبوي مثل مارين لوبين،يقابله توصيف مماثل ينسحبإلى حد ما على صورتي “إيمانويل ماكرون” و”هيلاري كلينتون”.
ولا تتخوف الطبقة السياسية في فرنسا من تأثير كبير لما نشر من وثائق خاصة بالمرشح “ماكرون” من شأنه أتغيير طبيعة النتائج على اعتبار أن الفارق بين المتنافسين كبير في نسبة الأصوات المتوقعة: أكثر من 60 في المائة لصالح مرشح الوسط، وأقل من 40 لفائدة زعيمة اليمين المتطرف؛ فضلا عن أن نظام الاقتراع وطريقة احتساب الأصوات في أميركا يختلف عن الأسلوب المتبع في فرنسا. ولذلك استبعد أخر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة “إيفوب” حصول تغيير نوعي في النتائج النهائية.
إلى ذلك أعلنت حالة استنفار أمني في فرنسا للحد من تأثيرات سيئة محتملة على مصداقية العملية الانتخابية كما حذرت اللجنة الوطنية المشرفة على سلامة الانتخابات من عقوبات رادعة في حق منيثبت ارتباطه بالقراصنة أو روج ما نشروه.
وإذا كانتأصابع الاتهام تتوجه إلى روسيا، بخصوص ما حصل فرنسا ومن قبل في الولايات المتحدة، فإنه مؤشر على أمرين خطيرين قد تنتقل عدواهما إلى كل الديمقراطيات.هما: انعدام ضمانات سرية وحرية الاقتراع وبالتالي يمكن الحديث عن أزمة حقيقة في أسس الديمقراطية التمثيلية؛ أما الأمر الثاني فيتصل بخطورة تفشي أسرار الأفراد والدول وعلى نطاق واسع لتصبح متاحة مثل لعب الأطفال يمكن اقتناؤها بسهولة ويسر لمن يشاء ودون مقابل.
لقد أثبتت تسريبات “ويكيليكس” انهيار الجدار الأمني الالكتروني لدفاعات الدولة الأكثر تطورا في هذا المجال أي الولايات المتحدة، فكيف سيكون حال الدول غير القادرة على حماية نفسها وسلامتها؟
وامام هذا التطور المقلق لم يجد “ماكرون” سوى الاستغاثة من العدوان الكاسح الذي صبه عليه جنود الظلام والخفاء في الشبكات الإلكترونية العنكبوتية.