أي مستقبل للمدرسة العمومية في المغرب؟ هذا هو السؤال الحارق الذي يتداوله اليوم كل غيور على التعليم والتربية في البلاد، في ضوء صدور تقرير جديد لعمر عزيمان رئيس المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، يتناول موضوع القيم لدى الأجيال الصاعدة.
تقرير عزيمان، وحسب بعض خلاصاته،التي تسربت إلى الرأي الوطني العام، قبل عقده اليوم الأربعاء للقاء مع الصحافة، يتطرق إلى الواقع السيئ الذي يلقي بظلاله الرمادية الثقيلة على فضاء المؤسسات التعليمية،سواء في مستوياتها الابتدائية أو الجامعية.
ويسلط التقرير الضوء على مختلف الانعكاسات والممارسات السلبية التي بات قطاع التعليم في المغرب مسرحا لها،جراء انهيار القيم والأخلاق،وسيادة كل مظاهر الانحراف عن جادة الصواب.
ويظهر جليا من خلال قراءة لبعض مضامين التقرير، المعنون ب”التربية على القيم بالمنظومة الوطنية للتربية والتكوين والبحث العلمي”،والمنشورة اليوم في بعض الصحف، أن التعليم في المغرب أخفق في تربية أجيال متشبعة بالقيم والمباديء التي يجب أن تكون هي أساس وعماد تكوين الناشئة.
ثمة اختلالات كثيرة يرصدها تقرير عمر عزيمان،وتنبيء بأن الأباء والأمهات، على السواء، من حقهم اليوم أن يضعوا أياديهم على قلوبهم، خوفا على فلذات أكبادهم التي تمشي على الأرض، والتي أضحت عرضة لكل مخاطر الشارع.
لم يعد الأمر مقتصرا،فقط، على استعمال العنف بكل قساوة،بل امتد ليغذي مظاهر التطرف،ضدا على التسامح والتفاهم والحوار ،ويبدو جليا أن كل الممارسات التي يشهدها الفضاء التعليمي والجامعي بالمغرب دخيلة على المجتمع،وتشهد تناميا متزايدا لاشك أن الجميع يسجله بكل أسف وألم وإحساس بالحسرة والخيبة والخذلان.
يكفي استحضار بعض الصفات والمفردات الواردة في التقرير،ليحس المرء بمدى جسامة المشكل المطروح: العنف، التحرش،الاعتداء، التعصب،تراجع الالتزام بالأنظمة الداخلية للمؤسة التعليمية،الإضرار بالبيئة وبالملك العام،تطور أشكال الغش،التبعية للشبكة العنكبوتية،غياب الحس النقدي..إلى آخره..
ورغم أن التقرير لم يأت بشيء جديد غير معروف عن واقع التعليم،ولكن اعترافه رسميا بكل الاختلالات في التربية والتعليم، من شأنه أن يقرع جرس الخطر، ويدعو إلى اليقظة، واتخاذ ما يلزم من إجراءات وتدابير قبل فوات الأوان.
ورغم كل خطب التطمينات التي قد يلجأ إليها البعض،من خلال إضفاء بعض الرتوشات، فإن ذلك لايمكنه بأي حال تغطية شمس الحقيقة بالغربال،وهذا ما يفرض على رجال التعليم وخبراء التربية، ورجال الدين،وعلماء النفس والمجتمع،أن يستنفروا كل الجهود من اجل إنقاذ جيل اليوم من الضياع،وذلك من خلال وصفات تربوية تعتمد على النجاعة والفعالية لتحصين المدرسة ضد كل الآفات التي تنتشر في محيطها.