منذ نشأته على أنقاض منظمة الوحدة الإفريقية، يعاني “الاتحاد الإفريقي” من أزمة “وجودية” تتلخص في افتقاده أي دور فعال أو غير فعال في الحياة السياسية للقارة السمراء. أزمة جاءت محصلة منطقية لظروف النشأة المشوهة، والتي لعب فيها “حكيم إفريقيا، مجنون ليبيا” العقيد القذافي الدور الأبرز، إذ لم يكن في وارده ولا تفكيره سوى إنشاء إطار يكرس زعامته كملك لملوك إفريقيا، بأموال الشعب الليبي التي تفنن في إهدارها على مدى أربعة عقود. ولأن صاحب المبادرة لا يمتلك الرؤية، بقيت كل محاولات البحث اللاحقة عن دور لهذا الإطار الفارغ من المحتوى دون نتيجة، وبقي التخبط سمة العمل داخل هذا الإطار الإفريقي، الذي لا تنمية رعى ولا وحدة أنجز.
ورغم امتلاء القارة السمراء بالصراعات من كل صنف ونوع، لدرجة يمكن القول بوجود نزاع بين كل بلدين إفريقيين جارين، إلا أن هذا “التجمع الرئاسي” لعشرات النماذج المصغرة من القذافي، وقف عاجزا عن التدخل الإيجابي في أي منها، وهو الأمر الطبيعي كما أسلفنا. كما أن وجود هذا التجمع، لم يحل دون تكرار المجاعات في شرق إفريقيا، أو الحروب الأهلية في غربها، أو دون انكشاف بلدان صحرائها على الجماعات الإرهابية المسلحة التي تتدثر برداء الدين، وأي دين منها براء، ناهيك عن تخلفه الشنيع في خدمة قضايا الديمقراطية في إفريقيا، لاسيما مع وجود العديد من “الزعماء” أعضاء نادي الاتحاد الذين تجاوزوا عقدهم الثاني في منصب الرئاسة، دون أن يعني ذلك شيئا للمنظمة “الوحدوية”.
أما بؤس “الاتحاد الإفريقي” وهزالة تفكير الموجهين له، فهو يتضح أكثر ما يكون من خلال موقفه من الوحدة الترابية المغربية. حيث يصر التجمع الرئاسي المذكور على عدم إضاعة أي فرصة من أجل المناداة بتنظيم استفتاء حول مغربية الصحراء، في تكرار ببغائي لأطروحة الخارجية الجزائرية وصنيعتها البوليساريو، مع علمه بأن هذا الاقتراح تجاوزه الواقع منذ أزيد من عقدين، باعتراف الأمم المتحدة نفسها، بعد أن حالت ألاعيب جبهة البوليساريو وداعميها في الوصول إلى كتلة ناخبة حقيقية تمثل المغاربة الصحراويين، بواسطة إفراغ عملية تحديد هوية الصحراويين الذين يحق لهم المشاركة في الاستفتاء من محتواها. موقف الاتحاد من هذه القضية، والذي يبحث عن دور مفقود على أرض دولة إفريقية ليست عضوا فيه أصلا، ولا تعترف بحقه في ممارسة أي دور في قضيتها الوطنية، يتناقض مع استنكافه عن ممارسة أي دور بين دوله الأعضاء، والتي تعترف به، وهو ما يشكل مفارقة فجة.
ويدرك القائمون على خلافة القذافي في توجيه الاتحاد بنفس العقليات والآليات، أن فرص نجاح فرض “اتحادهم” على القضية الوطنية معدومة، إذ أن من الشروط البديهية لأي وسيط، هو أن يكون مقبولا من الطرفين ويتخذ موقفا محايدا تجاههما، وهو الشرط المفقود في حالة الاتحاد. لكن اتخاذ “الاتحاد الإفريقي” للاجتماع السنوي للأمم المتحدة مناسبة “للتشويش” على الجهد الأممي المغربي الدولي الساعي لإيجاد سبل مناسبة لتنزيل مخطط الحكم الذاتي، حتى يتسنى إقفال هذا الملف المفتعل نهائيا، والتفرغ لإدارة ملفات أكثر سخونة في السياسة العالمية، ما هو إلا محاولة يائسة للبحث عن دور وإثبات الوجود، وهي المحاولة التي لن يقيض لها النجاح طالما لم يتخلص الاتحاد من الإعاقات الذاتية التي واكبت نشأته وحكمت أدواره اللاحقة.