أكد باحثون ومفكرون وأكاديميون أن التنوع الثقافي والتعدد اللغوي في المجتمعات، وخلافا لما يعتقده البعض، هو عامل توحيد وتناغم وليس عامل تفرقة وتجزيء. واعتبر مجموعة من المتدخلين خلال الجلسة الثالثة من منتدى فاس “روح للعولمة”، التي خصصت لبحث ومناقشة موضوع “المغرب وتحديات التنوع”، أن الثقافة تظل إحدى المكونات الأساسية في إغناء رصيد التنوع والتعدد اللغوي في المجتمعات باعتبارها تشكل اللحمة التي تجمع بين مختلف المكونات وتساهم بالتالي في حماية الهوية الحضارية لأي بلد.
وفي هذا الصدد أكد محمد أمين الصبيحي وزير الثقافة أن المغرب كانت له الشجاعة في الحديث عن تنوعه الثقافي وتعدده اللغوي الذي شكل على الدوام أرضية صلبة لصيانة وحدته والحفاظ على هويته بكل مكوناتها، مشيرا إلى أن مكونات الهوية المغربية ورغم تعدد روافدها لم تطور أبدا ثقافة الخوف من الآخر بل كانت حاضنة له.
وقال إن المغرب وفي سبيل الحفاظ على هويته وصيانة تعدده الثقافي واللغوي تعهد بالتزامات وأوفى بها، من بينها اعتراف الدستور الجديد للمملكة بالهوية الوطنية الموحدة بغنى وتعدد مكوناتها وروافدها، مشيرا إلى أن نفس الدستور يعتبر أن التنوع الثقافي والتعدد اللغوي يشكل جزء من الحقوق الثقافية على اعتبار أن هذه الحقوق تساهم في تكريم الإنسان المغربي والاعتراف بحقوقه الثقافية وحمايتها.
وإلى جانب هذه الالتزامات الداخلية، يقول وزير الثقافة، فإن للمغرب التزامات دولية في هذا المجال تتمثل، بالخصوص، في المعاهدات الدولية التي وقعتها المملكة ومن بينها معاهدة منظمة (اليونيسكو) لسنة 2005 والتي تهدف إلى تثمين وحماية التنوع الثقافي والتعدد اللغوي للبلدان والمجتمعات. وأكد أن المغرب، وانطلاقا من هذه الالتزامات الدولية والدستورية، يشتغل في إطار سياسة عمومية من أجل الحفاظ هذا التعدد والتنوع وتثمين مكوناته الثقافية، وذلك وفق مقاربة تشاركية يساهم فيها جميع المتدخلين والمعنيين.
من جهتها، تطرقت السيدة إيدا ريتينو أسونوي، وزيرة الثقافة والفنون بجمهورية الغابون إلى مسألة التنوع الثقافي والتعدد اللغوي في بلادها، مؤكدة أن وحدة الغابون هي في هذا التعدد والتنوع.
وقالت إن انفتاح المجتمع على باقي الثقافات والشعوب لم يكن في أي وقت من الأوقات مصدر خطر بل شكل على الدوام مصدر إغناء وإثراء لمكونات الهوية الوطنية.
وأشارت إلى أن الهوية الثقافية تظل حقا مكفولا للفرد والمجتمع غير أن هذا لا يمنع من الانفتاح على الآخر، مضيفة أن جمهورية الغابون تعتمد مقاربة الانفتاح وتدعو إلى السلم والتعايش بين الشعوب والثقافات باعتبارها تشكل بلدا للتلاقي والتلاقح الثقافي والفكري دون أن يعني هذا انسلاخها عن هويتها الحضارية بكل مكوناتها وروافدها الدينية والعرقية.
من جانبه، أكد إيريك فوطورينو (باحث فرنسي) أن المغرب يشكل مثالا يحتذى للتعايش والتناغم بين مختلف الديانات والثقافات، مستدلا بالتعايش الذي يسود منذ قرون بين المسلمين واليهود والذي تمظهر في العديد من الأعمال الفكرية والإبداعية التي تؤرخ للعيش المشترك بين الجانبين وكذا في المعمار وفن العيش.
وأوضح أن التنوع الثقافي والتعدد اللغوي يشكلان مصدر غنى وثراء للحضارة الإنسانية، مشيرا إلى أن الأساسي هو أن يرى الإنسان ما الذي سيستفيد منه من الآخر وليس الخطر الذي سيأتي منه.
وقال إن التعدد واقع ورهان يومي يحتاج إلى نوايا صادقة لإثرائه وجعله أحد مكونات الهوية المجتمعية للدول، مشيرا إلى أن تكريس هذا التعدد يبدأ من القبول بالآخر واحترام الاختلاف وحماية مختلف الأشكال والتعابير الثقافية والفنية للمكونات التي تشكل الهوية الوطنية.
وستتواصل فعاليات منتدى فاس، الذي ينظم في إطار فعاليات الدورة 20 لمهرجان فاس للموسيقى العالمية العريقة، بتنظيم جلستين ينشطها باحثون ومفكرون من المغرب والخارج، ستبحث الأولى موضوع “هل يمكن إنتاج نموذج مانديلي للسياسة بالشرق الأوسط”، بينما تعالج الثانية موضوع “المقاولة والقيم الروحية”.