في قلب الريف الإنجليزي الهادئ، وتحديداً داخل قرية برانثوايت الصغيرة، نشأ نيك داوسون وشقيقه التوأم سايمون كأنهما ظلّان لا يفترقان، وروح واحدة انقسمت إلى جسدين.
ووسط حديقة واسعة مليئة بالدجاجات وأشجار الفاكهة، عاشا طفولة سعيدة وبريئة، يركضان بين الحقول ويعبران الأنهار على دراجتيهما، وكأن لا شيء في الدنيا قادر على تفريقهما.
مرت السنوات سريعاً، حتى جاء صيف عيد ميلادهما الثلاثين، وفي تلك الليلة خرج سايمون برفقة أصدقائه إلى ملهى ليلي قرب بلدتهما بيركينهيد، ثم افترق عنهم ليعود وحده، غير مدرك أن خطواته الأخيرة ستقوده إلى ظلام حديقة تحوّلت لاحقاً إلى مسرح جريمة وحشية.
هناك، سُرق سايمون وضُرب حتى فقد وعيه، ثم جُرّد من إنسانيته وأُلقي في بركة ماء ليسلم روحه غارقاً، تاركاً توأمه يواجه وحش الفقد وحده.
واستقبل نيك خبر مقتل شقيقه وكأنما طلقة اخترقت صدره، بينما انكفأت والدته وسط ملابس فقيدها تبحث عن بقايا رائحته، وتجول والده تائهاً في الشوارع، ينوح ويبكي كأنه يودع كل شيء عرفه من قبل.
لكن وسط هذا الخراب، تشبث نيك بخيط من العدالة، فمدّ يده للشرطة، وظهر على شاشات التلفزيون يناشد الناس أن يتذكروا إن كان بينهم شهود عيان، حتى انكشفت هوية القاتلين: كريغ روبرتس وكارل هاريسون، اللذين حُكم عليهما بالسجن المؤبد، لكن الحكم لم يُغلق الجرح النازف.
وبحسب ما نقلته صحيفة “مترو”، فقد انقلبت حياة نيك مرة أخرى بعد 17 عاماً من مقتل شقيقه، حين جلس في قاعة محكمة يراقب جلسة إطلاق سراح مشروط للقاتل كريغ.
هناك، لم يرَ وحشاً متغطرساً كما تخيّل، بل شاباً منكسراً يعلو وجهه خجل ثقيل وندم صامت، وفي تلك اللحظة تولدت لديه فكرة المواجهة المباشرة من خلال برنامج “العدالة التصالحية”، الذي يمنح الضحايا حق اللقاء بمن أودع في قلوبهم هذا الخراب.
قبل المواجهة، واجه نيك معضلة أكبر في بيته؛ إذ رفضت والدته تماماً فكرة التواصل مع القاتل، ولكنه أخبرها أنه لن يحكي لها أبداً ما سيعرفه في ذلك اللقاء، حتى لا يفتح عليها جرحاً أشد قسوة.
وبعد أشهر من الصراع الداخلي، حسم نيك أمره، وذهب إلى السجن، رافضاً أن يمد يده بالمصافحة، لكنه حمل معه صوراً تروي قصة شقيقه، أعيادهما، جنازته، قبره الهادئ في الريف الذي شهد طفولتهما، وجلس بثقة قبالة كريغ وبدأ يقلب الصفحات المغلقة، سائلاً إياه عن كل ثانية في الليلة التي فقد فيها نصف روحه.
لم يتوقع نيك أن يسمع الحقيقة من كريغ دون مواربة، حيث اعترف الأخير بتفاصيل الليلة قبل أن يتطرق للحديث عن طفولته القاسية، وكيف تربى وسط العنف والتفكك والإهمال، سردها دون تبرير، وكأنه يريد أن يزيح شيئاً من ثقل الذنب عن صدره.
لم يكن نيك يبحث عن غفران، بل عن حقيقة ظلت تحرمه النوم لسنوات، فخرج من المواجهة وفي يده ما يطفئ بعض الأسئلة المشتعلة، ومع مرور الوقت، قرر أن لا يدع جرحه ينزف في صمت، بل حوّله إلى صوت يلهم الآخرين.
واختار نيك أن يتقاعد مبكراً، ليجوب السجون، يواجه المدانين بوجوه الضحايا المنسية، يحكي لهم عن شقيقه، وعن أثر الجريمة الذي لا ينتهي عند المحكمة، بل يمتد ليحفر في القلوب ما لا يمحوه الزمن.
مشاهد 24 موقع مغربي إخباري شامل يهتم بأخبار المغرب الكبير