يدشن العراق المرحلة الثالثة من الانتخابات البرلمانية في بيئة انتخابية بائسة ومضطربة لاتسق مع معايير الديمقراطية وفلسفة السياسة الانسيابية والقيم الانتخابية، ويظهر التوريث السياسي وحكم الاقارب والعوائل والمعممين في المشهد السياسي بشكل لافت للنظر، مما انعكس على المجتمع العراقي الذي يبدوا منقسماً بشكل كبير بين رافض ومؤيد وحالم وعازف عن المشاركة ومستفيد من حواشي السياسة والسلطة والحواشي الطائفية، والسواد الاعظم يرزح تحت طائلة البؤس والجوع والبطالة والاعتقالات والتفجيرات والقتل خارج القانون والتهجير وسلب الحقوق الوطنية والشخصية، ويبرز في المشهد العراقي انفصال الساسة والمرشحين عن الواقع العراقي برمته وكما يبدوا لهم عالمهم الخاص، في ظل تهديم البنى التحتية المجتمعية والخدمية وعسكره المكونات، وهدر الموارد المالية والبشرية، وحروب السلطة الطائفية المؤطرة تحت يافطة ((الحرب على الارهاب)) الذي جعلت من العراق مرجلا للإرهاب الطائفي المذهبي، وملاذ للمليشيات والتنظيمات الارهابية الوافدة، ومسرحا النهب الحر لموارد العراق، وأضحت صناعة الارهاب الحزام الناقل للبقاء بالسلطة من جانب وتفعيل سوق العقائد الشاذة والأسلحة وشركات الامن الخاصة من جانب اخر، ويلاحظ الهروب الى الامام من قبل المجتمع الدولي والنظام الرسمي العربي والجري لاستكمال مسرحية الهدم المنظم للعراق وتمزيق شعبه وحرق تاريخه، وبلا شك ان الانتخابات لن تأتي بجديد ولم تحقق التغيير المنشود من قبل الشعب العراقي، والتي ستتمخض عنها بقاء ذات السياسيين الفاشلين والفاسدين مع تغيير المسميات ومضاعفة الكتل والشخصيات للإيحاء بان العراق يمارس الديمقراطية ، وفي حقيقة الامر انها فلسفة (التجزئة الجامعة) والتي سترسم صورة اخرى بعد نتائج الانتخابات، والتي كما يقول الكثير من العراقيين ان نتائجها معروفة سلفا ومقسمة الادوار والمناصب قبل ان تبدأ .
معايير البيئة الانتخابية
تقام الانتخابات في الدول المختلفة على اساس الاستقرار السياسي والأمني والرخاء والتنمية وتنافس المشاريع السياسية لصالح الوطن في ظل وجود البنى التحتية للديمقراطية وتامين عناصر البيئة الانتخابية الايجابية والتي تتمثل بما يلي
1. مناخ سياسي مؤاتي (ايجابي)
2. استقرار امني ( بلا احكام عرفية او حالة طوارئ)
3. تفاعل سياسي ( تبادل للسلطة ودستور متفق عليه ومطبق بحوكمة مستمرة)
4. موارد قانونية ( تيسير منظومة قضائية حيادية تحقق العدل والمساوة والمسائلة )
5. موارد تنظيمية ( منظومات ادارية مستقلة تنفذ مدونة السلوك الانتخابي)
6. موارد مالية عادلة (مال سياسي، اموال فساد، اموال دول)
7. موارد بشرية ( مجتمع مستقر تحقق له الدولة التنمية والتطوير ورخاء مجتمعي)
8. سيادة واستقلال
9. موارد صلبة لتامين الانتخابات تحقيق الانسيابية الامنية وحماية المجتمع والمرشحين)
10. تقييم المرشحين والمشاريع السياسية
الواقع الانتخابي العراقي
يمكن وصف الواقع الانتخابي العراقي بأنه بائس ولا يؤمن ابسط معايير البيئة الانتخابية او مناخ انتخابي مقبول، خصوصا ان السياسة مغيبة في ظل تعطيل الدستور وإعلان الاحكام العرفية وشياع ظواهر المليشيات الطائفية وعسكره مكونات المجتمع، ومظاهر الإبادة الطائفية المنظمة، وهدر الموارد المالية والبشرية، وسيادة ثقافة المليشيا والقتل خارج القانون من قبل القوات الامنية، وشياع ظاهرة الكذب الاعلامي والتضليل والإنكار والتبريرات الوهمية التي لم تعد ناجعة في ظل تطور وسائل الاتصال والانفتاح العالمي، وشياع ظاهرة التوريث السياسي والوزاري والمؤسساتي والعسكري، ويمكن وصف الواقع الانتخابي العراقي بما يلي:
1. فشل برلماني ملحوظ لم يحقق اي نتائج تشريعية ورقابية في الفترة السابقة وغالبية اعضائه مرشحين مرة اخرى دون تقييم ومسائلة ومحاسبة .
2. رئاسة جمهورية مغيبة في ظل فقدان رئيس الجمهورية صحيا لمدة سنتين ولم يستبدل في سابقة الاولى من نوعها في العالم السياسي والمؤسساتي .
3. سلطة تنفيذية فاشلة وعاجزة وتنتهج نظرية الازمة، ويمكن تسميتها حكومة ازمات تمارس الهروب الى الامام وتختلق الاعذار والمبررات والوهمية وتخلق الازمات لغرض الهاء المجتمع مع استخدام نظرية الصدمة عبر وسائل الترويع والحروب المحدودة والاعتقالات والقتل خارج القانون واستخدام الطائفية منهجا ولم تخضع للرقابة والمسائلة والمحاسبة والتدقيق المالي .
4. انهيار امني مزمن وتؤكد المؤشرات الرقمية والنوعية ارتفاع حجم الضحايا المدنين وعجز تلك الاجهزة عن تحقيق ابسط معايير الامن والدفاع
5. الموقف المجتمعي في حالة تخبط ويرزح تحت طائلة الدعاية الحزبية والحكومية الطائفية وفق فلسفة المكون فوبيا والأمن عبر الطائفة وجيوشها من المليشيات.
6. هدر الموارد المالية من خلال منظومة الفساد الكبرى ونهب الاموال وبروز طبقة الفاسدون الجدد وقد اصبحوا رؤوس اموال منهوبة مؤثرة وبثراء فاحش يفوق قدرة اي مرشح محتمل حالم بالتغيير .
7. بروز ظاهرة سوق الانتخابات وشياع تشكيل الكتل الصغيرة والشخصية حيث بلغ عدد الكتل المشاركة بالانتخابات 2370 كتلة و9150 مرشح وهو رقم يؤكد الفوضى السياسية
8. شراء الناخبين وإغرائهم بالوعود الاجلة بالوظائف والمنافع الشخصية
9. غياب قانون الاحزاب والأطر القانونية الحاكمة مما يمنح الاجانب من اي مكان بطاقة المشاركة بالانتخابات وكذلك تمكين مخابرات الدول من تأسيس كتل بواجهات عراقية تشارك بالانتخابات وتحكم البلد عن بعد.
10. استمرار منهج القمع والتطهير الطائفي التي تمارسه احزاب السلطة ضد مكون العرب السنة وبقية المكونات الصغيرة وحجب حقهم بالتمثيل والمشاركة.
11. استمرار حرب السلطة على محافظة الانبار بعد فض الاعتصام السلمي الدستوري بالقوة واعتقال نائب برلماني محصن قانونيا وإعدام اخيه بلا محاكمة وقرار قانوني اتساقا بظاهرة المليشيا سلطة
12. شياع ظاهرة نزول المليشيات الطائفية في المحافظات السنية العربية وارتكابها مجازر وجرائم وتهجير وسرقة الممتلكات والدور الخاصة بالمهجرين وتجسد بشكل واضح في مدن وقرى محافظات ديالى المتاخمة لإيران
13. شياع ظاهرة سطوة المليشيات في بغداد وحزامها الديموغرافي وارتكابها جرائم ومجازر بتسهيلات حكومية مما عزز من الاحتقان الطائفي
14. استخدام حرب الجسور والسدود لإغراق مناطق كبيرة من الانبار وحزام بغداد لتجنب الافصاح عن الفشل العسكري وسوء قرار شن حرب داخلية في الانبار
15. تطويع وسائل الاعلام الحزبية والحكومية لتلميع المرشحين وفصل الرأي العام فكريا وحسيا عن ما يحدث من كوارث بيئية وبشرية على اثر الجهل السياسي والتعصب الحزبي الطائفي الذي اوصل العراق الى بلد مفكك وممزق حدوده مستباحة.
16. مساهمة المجتمع الدولي في تهديم وتمزيق العراق من خلال صمت وتواطئ ممثلي المنظمات الاممية ومحاباتهم للسلطة دون الوقوف على حقيقة الفوضى الحاصلة التي تنذر بالكارثة الزاحفة
17. ابتزاز واستغلال الجياع والعاطلين عن العمل والبسطاء من قبل المرشحين
18. غياب المشاريع السياسية للكتل والمرشحين والإفصاح السياسي
19. استمرار ظاهرة التفجيرات والقتل خارج القانون والاغتيالات والاعتقالات الطائفية ضمن فلسفة القمع والترويع والتنكيل لبسط اذرع جمهورية الخوف
20. انعدام الخدمات الضرورية للمواطن والحريات العامة
21. غياب كافة مظاهر الديمقراطية في العراق وبروز ظاهرة الكذب الاعلامي والتضليل المنظم والدعاية الطائفية
22. بلد مهدد بالتفكك والضياع وحدوده مستباحة وموارده الاستراتيجية مصادرة.
يعول البعض على التغيير من خلال صناديق الاقتراع وهو تعويل محمود لو ان هناك نظام سياسي متماسك يخضع للحوكمة والمسائلة ويؤمن المساواة والعدالة كي يحقق البيئة الانتخابية المؤتية، ولكن في ظل قراءة الواقع الانتخابي الحالي في العراق فان الانتخابات لم تأتي بجديد في ظل تعطيل الدستور وغياب القضاء المستقل والانفراد بالسلطة وفشل المؤسسات وبروز ظواهر المنفعة الشخصية واستخدام المال السياسي لمشاريع وافدة هدامة، ونفوذ المليشيات الطائفية ورديفتها التنظيمات الوافدة، والتمسك بالقرار الوافد بخصوص الترشيح من عدمه لساسة العراق، ويبقى المواطن العراقي مغلوب على امره في ظل وسائل القمع الحالية التي تحجب الحقائق وتقود العراق الى المستقبل المجهول، والله المستعان .
*مفكر عربي من العراق
اقرأ أيضا
وصف الجزائر بلا هوية وتستهدف وحدة المغرب.. النظام الجزائري يعتقل الكاتب بوعلام صنصال
يواصل النظام الجزائري سياسته القمعية لإخراس الأصوات التي تنتقد سياسته أو تلك التي تنطق بحقائق تثير حنق "الكابرانات".
الجنائية الدولية تصدر مذكرات اعتقال بحق نتنياهو وغالانت والضيف
أصدرت المحكمة الجنائية الدولية، مساء اليوم الخميس، مذكرتي اعتقال بحق رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع السابق في مجلس الحرب يوآف غالانت، بالإضافة إلى مذكرة اعتقال في بيان آخر للقائد العام لكتائب عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة حماس "محمد الضيف" واسمه الكامل إبراهيم المصري، بتهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.
السجن 50 عاماً لامرأة أجبرت أطفالها العيش مع جثة متحللة
قضت محكمة، الثلاثاء، بسجن امرأة لمدة 50 عاماً لإجبار ثلاثة من أطفالها على العيش مع …