النُخبة والتأسيس الجديد

المصاعب كثيرة لكن الآفاق لا تزال واعدة بِمستقبل أفضل إن تعالت قيم العمل وتنامت أخلاقيات الصدق وتوطدت الثقة في النفس.
هذا ما انتهى إليه عدد من المثقفين والمُفكّرين في ما أطلقوا عليه «الكتاب الأبيض»تدليلا على أنّ أشياء تغيّرت في تونس ما بعد الثورة وأنّ الآفاق مفتوحة على انتظارات جيّدة في المستقبل برغم الإكراهات والصعوبات الماثلة.
تحتاجُ بلادنا إلى مثل هذه الرؤية التفاؤليّة بالمستقبل والتنحّي نهائيّا عن النظرات السوداويّة القاتمة، ومن المهم أن تقُود النخبة، أو على الاقل جزء منها، هذا النهج الإيجابي في التعاطي مع استحقاقات مرحلة تاريخية مهمة دخلتها بلادنا بشغف شعبي كبير لتغيير الأوضاع نحو الأفضل.
لقد أمعنت النخبة التونسيّة لفترة طويلة في سجالات عقيمة كرّست الاستقطاب وكادت تذهب بأركان الدولة وتمزّق النسيج المجتمعي، واتّضح في أكثر من مناسبة أنّ النخبة لم تتخلّص من هوس اديولوجي عنيف واقصائي ممّا أفقدها استقلاليّتها عن الاحزاب السياسيّة وصراعات السلطة والمعارضة وحسابات الربح والخسارة.
على النخبة، من المثقفين والمفكرين، استشعار دورهم المحوري في تشخيص الواقع بصفة علميّة وإجراء ما يلزم من مقارنات ومقاربات وتحاليل قادرة على وضع استراتيجيّات لاستشراف المستقبل وتقديم الحلول التي تسير بالبلاد نحو الأفضل وتقطع عنها سبُل الرجوع الى الخلف.
إنّ تعالى النخبة عن هواجس السياسيّين والحالمين بكراسي الحكم يُمكّنها من تنفيذ مهمّاتها الوطنيّة والتاريخيّة على أفضل وجه، لقد كان همّ السلطة / الاحزاب، ولا يزال، اخضاع المثقفين والمفكرين لارادتها وتطويعها لخدمة أجنداتها والتسويق لبرامجها وكثيراً ما افتقد هؤلاء لاستقلاليّة مقارباتهم، إمّا غصبا وإكراها أو تزلّفا، وجعلهم يبقون على الهامش دون انتاج يُسهم في مسارات البناء والتطوير في مختلف مجالات التنمية الاقتصاديّة والبشريّة.
إنّ مكسب الحريّة الذي تنعمُ به بلادنا منذ الثورة الذي ارتقى ليكون ركيزة أساسيّة في الدستور ومسار التأسيس الجديد الذي تتطلّع إليه بلادنا، إنّ هذا المكسب يرفعُ عن النخبة اليوم كلّ الأعذار والتبريرات ويحمّلها مسؤولية الاضطلاع بمهامها الوطنيّة على خير وجه بعيدا عن كل الاعتبارات الضيّقة أو الحسابات المحدودة.
المثقفون والمفكرون قادة الأوطان والمجتمعات والروّاد الحقيقيّون في كلّ مشاريع التأسيس الجديد إصلاحا وتغييرا وتطويرا، وفي هذا الصدد تكون الحاجة اليهم كبيرة في كشف ألاعيب السياسيّين ومغالطاتهم وفضح مزايداتهم.
إنّ النخبة التي تتطلّع اليوم للعب دور وطني وتاريخي هي تلك الّتي تُحقّق استقلاليّتها المعرفيّة والعلميّة عن الاحزاب والسياسيّين وتلتصق بهموم المجتمع ومشاغله الحقيقيّة وتضعُ نصب أعينها خدمة هذا المجتمع لا البحث عن رضا السلطة الحاكمة أو التموقع ضمن المشهد الحزبي والسياسي.
إنّ النخبة، المستقلّة عن حسابات السياسة وألاعيبها وأكاذيبها، هي قاطرة عملية التأسيس الجديد وهي ركيزتها الاساسيّة وهي محور وعصب الانتقال الثابت والرصين نحو المستقبل الأفضل.
“الشروق” التونسية

اقرأ أيضا

الصحراء المغربية

منزلقات تأويل موقف روسيا من المينورسو

أثار التصويت على قرار مجلس الأمن الدولي بخصوص التمديد لبعثة المينورسو جدلا كبيرا في مختلف …

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *