بقلم: هيثم شلبي
منذ اعتلاء سدة الرئاسة الجزائرية، اعتمد الرئيس عبد المجيد تبون وأدوات نظامه الإعلامية سياسة الترويج لإحصائيات وأرقام متضاربة ومضللة حول واقع الجزائر على مختلف الأصعدة، لمجرد محاولة إثبات أن عملية بناء “الجزائر الجديدة” تسير بشكل جيد، بل وبدأت في التحول إلى واقع معاش!! ولا يهتم النظام الجزائري بحقيقة أن شعاراته تتحول سريعا إلى مادة للسخرية في أوساط وسائل التواصل الاجتماعي الجزائري، وكذا وسط مختلف المتابعين من خارج الجزائر. ورطة تتفاقم باستمرار من خلال استمرار هذا الإعلام في الزيادة السنوية لهذه الأرقام، حتى لا ينكشف زيف ادعاءاتهم، وهو ما يدفع إلى تضخيم الواقع الدعائي الكاذب، ويجعل مهمة تكريس هذه الأرقام المضللة شبه مستحيلة.
وللتدليل على ما نقول، سنكتفي هنا -كمثال- بعرض آخر أكاذيب النظام الجزائري، والتي تكفلت بها قبل ساعات خرجة لوزير السياحة الجزائري مختار ديدوش، الذي أكد أن بلاده بصدد التحول إلى “قبلة” سياحية تجتذب عشرة ملايين سائح قبل نهاية عام 2030!! ولتدعيم زعمه “الخيالي” قال الوزير الذي يتخذ رئيسه تبون قدوة في هذا المجال، أن بلاده تتوفر على 1600 فندق، تمتلك قرابة 160 ألف سرير!! وأنها نجحت في منح عشرة آلاف تأشيرة سياحية؛ نعم، 10 آلاف وليس عشرة ملايين، خلال العام الماضي! دون أن يدرك حجم التناقض الهائل بين هذه الأرقام!
وللغوص أكثر في الموضوع، احتجنا إلى متابعة فاحصة لبعض الإحصائيات التي تجعلنا قادرين على محاكمة موضوعية لطموح الوزير الجزائري المتمثل في جذب عشرة ملايين سائح. بداية، فالإحصائيات الرسمية الجزائرية تقول أنها نجحت في استقطاب 1.3 مليون سائح خلال 2023، بمعنى أنها تستهدف تحقيق نمو في القطاع يبلغ 1000% خلال السنوات الست المقبلة!! ومن المفيد هنا تذكير الوزير، الذي يبدو أنه جاء للمنصب بدون أدنى خلفية علمية عن واقع الصناعة السياحية العالمية، أنها لا تقتصر على مجرد امتلاك الفنادق والأسرة، مهما كان عددها، بل على بنية تحتية متطورة، وقطاع خدماتي راق، ونفوذ قوي في الأسواق العالمية المصدرة للسياحة، ومنتوج سياحي متنوع، وقدرات بشرية عالية التأهيل، وقطاع بنكي متطور، وخطوط طيران قوية، وارتباط راسخ بأدوات الحجز والدفع الإلكترونية، إضافة إلى عناصر أخرى يطول شرحها. لكن الواقع في الجزائر اليوم يقول، أن أمامها عشرات السنين قبل أن تحقق الحد الأدنى المطلوب للوصول إلى مجرد مضاعفة أعداد السياح (الوصول إلى 3 ملايين سائح)، ناهيك عن تنميتها بأكثر من عشرة أضعاف!!
ولنأخذ كمثال، القانون الجزائري “المتخلف” الذي يفرض على السياح تنظيم زياراتهم السياحية عبر وكالات أسفار محلية (كما كان الحال في السبعينيات من القرن الماضي)، وبمرافقة أمنية لوفود السياح! في عالم تحولت فيه السياحة لشأن فردي يقوم فيه الناس بحجز رحلاتهم وفنادقهم عبر الانترنت، ويدفعون ببطاقات ائتمانهم، وذلك عبر عشرات المواقع الدولية المتخصصة عبر الانترنت. بديهية سنكتفي للتدليل عليها بمراجعة أرقام الجزائر في أشهر المواقع السياحية العالمية المتخصصة، ونقصد موقع Booking.com، فماذا تقول الأرقام؟!
يكفي دخول الموقع وطلب التعرف على حجم الإقامات الفندقية المتاحة للحجز في كامل جمهورية الجزائر بمختلف أصنافها (فنادق وشقق وإقامات فندقية الخ) فماذا يقول الموقع؟ العدد الإجمالي لهذا العرض السياحي هو 337 منشأة سياحية، فقط!! (وسنضطر هنا لعمل مقارنات -للتوضيح- مع المغرب الذي نجح أخيرا في استقطاب 14.5 مليون سائح خلال 2023) بينما يسجل المغرب وجود 13712 منشأة!! وبالغوص أكثر في تفاصيل العرض السياحي المتاح جزائريا للسائح الدولي المستهدف، نجد أن ولاية الجزائر بأكملها تحتوي على 102 منشأة (بينما الجزائر العاصمة بها 44 منشأة)، تليها ولاية وهران ب 49 منشأة، فولاية بجاية ب 27 منشأة، لتنخفض الأرقام بعد ذلك إلى 8 منشآت في تيبازة، و6 في كل من قسطنطينة ومستغانم، و5 في تلمسان، و4 في سكيكدة، وواحدة او اثنتين في باقي الولايات والمدن!! في المقابل، تحتضن ولاية الشرق المغربية (وجدة وضواحيها على حدود الجزائر) 409 منشآت سياحية، بل إن مدينة الرباط العاصمة، التي تحتل الرتبة الثامنة في عدد المنشآت الفندقية في المغرب تضم 423 منشأة، حتى لا نتحدث عن مراكش وأغادير وطنجة وغيرها!! فهل بهذه الأرقام ستحقق أهدافك يا معالي الوزير؟ وأين هي ال 1600 فندق التي تحدثت عنها؟ أم أنها غير مرتبطة بالإنترنت، وبالتالي فهي غير متاحة لجمهور موقع Booking العالمي؟!
أرقام “فاضحة” أكثر يقود إليها التعمق في إحصائيات الموقع الدولي: عدد الفنادق المتاحة في الجزائر (عبر الموقع العالمي دائما) لا تتجاوز 127 فندقا من جميع الأصناف (14 أعطيت 5 نجوم، و39 من فئة 4 نجوم، و68 من فئة 3 نجوم، و6 من فئة نجمتين)، مقابل 182 شقة متاحة للسياح. من هذه المنشآت السياحية، يوجد 114 فقط تقدم وجبة إفطار للسائح، و48 منها تضم مسبحا، و133 منها تمتلك مكتب استقبال متاح طوال اليوم، و5 منها فقط تطل على البحر (يفتخر الوزير بوجود واجهة بحرية جزائرية تتجاوز 1200 كلم!!). بل إن 177 منشأة فقط تتوفر غرفها على حمامات خاصة، و68 منها فقط تمنح الزائر إبريقا كهربائيا يتيح له صنع قهوته في الغرفة!! وحتى لا نحبط الوزير بمقارنة كل من هذه الأرقام بنظيرتها المغربية، يكفي أن نخبر الوزير أن عدد الفنادق المغربية المصنفة 5 نجوم تتجاوز 386 فندقا (أي أكثر من مجمل العرض الجزائري!!)، وأن عدد من يقدم وجبة إفطار في المغرب يتجاوز 4246 منشأة!! أما من تقدم للسائح إبريقا كهربائيا في الغرفة فيقترب عددها من 8 آلاف منشأة!!
أمام هذا الواقع، لا توجد سوى فرضيتين لفهم “عبقرية” الوزير الملهم ديدوش: إما أنه -ببساطة- يكذب، ويعاني من جهل مطبق بأبسط مقومات القطاع الذي يشرف عليه (كباقي المسؤولين الجزائريين)؛ أو أن الجزائر بصدد وضع تعريف جديد للسياحة، لا يعترف بحاجة سياح العالم إلى حجوزات فندقية مسبقة، ولا خدمات إنترنت ودفع بالبطاقة البنكية، بل ولا يحتاجون إلى وجبة إفطار صباحية، أو حتى حمامات خاصة لقضاء حاجاتهم والاستحمام!!
كما أن من المفيد أن نوضح للوزير “العبقري” المرشح لجائزة نوبل في الرياضيات، أن تونس التي تمتلك -دائما في نفس الموقع العالمي- قرابة خمسة أضعاف العرض السياحي الجزائري، نجحت في استقطاب 9.4 مليون سائح خلال 2023، نسبة معتبرة منهم جزائريين لا يجدون عرضا مناسبا في بلادهم! بينما لم يستقطب الأردن الذي يمتلك أرقاما مقاربة لتونس في العرض السياحي سوى في جذب 2.5 مليون سائح خلال العام الماضي. وبالتالي فالهدف الواقعي البديل لهذا الوزير هو الاستمرار في محاولة منافسة المنتوج السياحي لكل من موريتانيا وليبيا، والتصدي -إن سمح له- لمحاولة إزالة عشرات العراقيل التي تحول، وستبقى حائلا دائما، أمام أي ارتفاع ذي قيمة في عدد السياح الأجانب في الجزائر.
وباستخدام نفس العملية الاستقصائية، يمكننا ببساطة تبين “زيف وبؤس” الإعلام الدعائي الجزائري، وكذب ادعاءات الرئيس تبون بخصوص تحقيق الاكتفاء الذاتي من الحبوب والزيوت والسكر؛ وتحقيق 30 مليار دولار من الصادرات خارج قطاع المحروقات؛ ورفع الناتج الداخلي الخام إلى 400 مليار دولار قبل منتصف عام 2026؛ وعشرات الدعايات التي لا ينجح أي منها في التغطية على صور طوابير المواطنين على مختلف الخدمات والسلع الأساسية.
وقديما قالوا: كيف تعرف أنها كذبة؟ قيل بسبب ضخامة حجمها! وهذا القول يلخص المسعى الفاشل لإعلام النظام العسكري الجزائري في الترويج لأكاذيب رئيسه وحكومته، لتخدير المواطنين بأخبار “فتوحات وهمية” وإنجازات “القوة الضاربة” التي تتحول سريعا إلى “أضحوكة” بين الدول الأفريقية!