ماكرون وستيفان سيجورني

هل تكفي النيّات الفرنسية الطيبة لتحسين العلاقة مع المغرب؟!

بقلم: هيثم شلبي

كالعادة، ومع أدنى تصريح إيجابي يصدر عن مسؤول فرنسي تجاه المغرب، يسارع الإعلام الذي يتحرق لتحسين العلاقات المغربية الفرنسية في البلدين لتسليط الأضواء على هذه التصريحات، وتضخيمها، وتحويلها إلى “اختراق” إيجابي سيعيد العلاقات بين البلدين إلى سابق عهدها، كما لو أن سابق عهدها هذا كان إيجابيا أصلا!!

آخر هذه التصريحات ما صدر منذ بضعة أيام عن وزير الخارجية الفرنسي الجديد ستيفان سيغورني لأحد الصحف “الإقليمية”، والذي عبر فيه عن “التزامه بكتابة فصل جديد في العلاقة بين البلدين”، مذكرا بأن الدعم الفرنسي لمبادرة الحكم الذاتي قائم ومستمر منذ 2007! موقف يضاف إلى عشرات التصريحات المماثلة التي صدرت من المسؤولين الفرنسيين (بداية من الرئيس ماكرون) خلال سنوات حكم ماكرون منذ 2017، دون أن تنجح، ليس فقط في تحسين العلاقات الفرنسية المغربية، بل حتى في وقف تدهورها المستمر؛ الأمر الذي يجعلنا نعتبر تصريحات وزير الخارجية الفرنسي الجديد “لا حدث”!!، حتى ولو آذى هذا الوصف مشاعر “أبناء فرنسا” الإعلاميين!!

بداية، دعونا نؤكد على بديهية أن لا أحد في المغرب -مسؤولين ونخبا – يرغب في أن تكون علاقة بلاده متوترة مع فرنسا أو غيرها؛ بل ولا حتى مع الجزائر وجنوب أفريقيا. لكن لا أحد في المغرب أيضا، يؤمن بأن تحسين هذه العلاقات مرهون بتصريح إيجابي هنا أو هناك، من هذا المسؤول أو ذاك، حيث إن هذا التحسن رهين بإثبات حسن النيّات على الأرض تجاه المصالح المغربية الحيوية، وعلى رأسها وحدته الترابية. وهكذا، وبالنظر إلى السلوك العدائي لهذه الدول (فرنسا والجزائر وجنوب أفريقيا) يمكن اعتبارها “محور الشر” بالنسبة للمغرب (يمكن أن تضاف إليها إيران)، مما يصعب معه تصور تحسن حقيقي للعلاقة معها قبل أن يرى تحسنا فعليا في سلوكها تجاهه. صحيح أن الموقف الفرنسي متقدم كثيرا على حليفيه بالنسبة للأقاليم الجنوبية للمملكة، عبر دعمه لمخطط الحكم الذاتي تاريخيا، لكن الصحيح أيضا أن هذا الترحيب “اللفظي” لا يمكنه أن يحجب حقيقة أن ما يلحق المصالح المغربية الحيوية من أضرار من فرنسا القوية، أكبر بمراحل مما يلحقها من أذى مصدره الجزائر وجنوب أفريقيا الضعيفتين، بسبب فارق القوى بين الجهتين!!

مشكلة فرنسا -ليس مع المغرب فحسب- التي يمثلها تيار الرئيس ماكرون ومن يمثلهم، أنها تكابر في الاعتراف بحقيقة أن العالم قد تغير جذريا، وأن الأدوات الاستعمارية الفرنسية المتهالكة، لم تعد كافية للحفاظ على هيمنتها ونفوذها في مستعمراتها السابقة، التي تنسلّ من بين أصابع فرنسا كقطرات المياه، دون أن تملك هذه الأخيرة ما توقف فيه هذا التسرب، اللهم سوى استمرار سياسة الهروب إلى الأمام من هذا الواقع، وبناء سياستها الفعلية على ممارسات “انتقامية” ممن يعتبرونهم مؤهلين لملء الفراغ الذي يخلفونه، بسبب تقديمهم لنموذج إدارة أكثر نضجا ووعيا، وعلى رأسهم المغرب. وهكذا، تكاد تقتصر سياسة الرئيس ماكرون تجاه مستعمراته السابقة على الألعاب اللفظية، والخطوات “الرمزية” والوعود الفارغة، وغيرها من “الفذلكة اللغوية”، التي لا يستحسنها سوى عملاؤه في الجزائر؛ وهو ما يقوده للاستمرار في ارتكاب الأخطاء الكارثية تجاه جميع هذه الدول، ناهيك عن استمراره في “تمثيل” دور القوة العظمى في النزاعات الدولية، عبر احتضان المؤتمرات الفارغة، وتقديم المبادرات الفاشلة، والتصريحات المثيرة، الخالية من أي تأثير.

لقد كان الأولى بوزير خارجية فرنسا الجديد، الذي تصور أنه بتصريح مقتضب مغلف بالأماني الطيبة يمكنه محو أفعاله القبيحة -شخصيا- ضد المغرب في أروقة البرلمان الأوروبي، أن يدرك بأن موقف بلاده التقليدي من مبادرة الحكم الذاتي لم يعد ممكنا أن يغطي على عدائها للمملكة الشريفة على مدى المئتي عام الماضية، وأن المغاربة ليسوا بصدد نسيان أو تجاهل مسؤولية فرنسا عن “حصار” المغرب، ومنع تمدده في محيطه المغاربي أو فضائه الأفريقي، وكذا مسؤوليتهم المباشرة عن حالة العداء المستحكمة في الجزائر من طرف جنرالاتهم فيها! وعليه، فلا داعي أو معنى لاستمرار التذكير بموقف بلاده من مقترح الحكم الذاتي، لاسيما بعد أن اعترفت بمغربية الصحراء (لا مجرد مبادرة الحكم الذاتي) معظم الدول الكبرى وقرابة ثلثي دول العالم!

أضف إلى ما سبق، أن “معاقبة” المغرب لكونه الدولة التي ورثت النفوذ الفرنسي في مستعمراته السابقة هو موقف لا يمت إلى السياسة بصلة. حيث من جهة، يحتل المغرب ما يحتله من مكانة في محيطيه الإقليمي والقاري نتيجة سياساته المدروسة، وعلى رأسها “التعاون جنوب- جنوب”، و “علاقات رابح- رابح”، ومن المنطقي أن تنجذب هذه الدول إلى هذه السياسة بعد عقود “النهب الفرنسي” الممنهج! ومن جهة أخرى، لا يمكن لفرنسا أن تلوم أي أحد على ملء ما تخلفه من فراغ بعد “طردها” من هذه المنطقة، فالطبيعة لا تقبل الفراغ، وسواء ملأت المغرب أو تركيا أو روسيا أو الصين أو الولايات المتحدة أو غيرها هذه الفراغات السياسية والاقتصادية والأمنية، فلا يمكن لفرنسا أن تلوم إلا نفسها.

كخلاصة، فمجرد أن يقدم وزير الخارجية الفرنسي لنهجه الجديد، بالتأكيد على أنه يأتي تطبيقا لتعليمات ماكرون، هو في حد ذاته مدعاة للتشاؤم!! لكن السياسة لا تعترف بلغة التفاؤل والتشاؤم، بل تؤمن بالمصالح، والانسجام ما بين الأقوال والأفعال. وعليه، على فرنسا -ومن يروجون لنيّاتها الطيبة تجاه المغرب- أن تدرك، أن تحسين العلاقة مع المغرب هو في مصلحة فرنسا بالأساس، ولا يمكن أن يتم إلا وفق معطيات الواقع، وبكلمات أكثر وضوحا: “وفقا لشروط المغرب”، وهي كثيرة بالمناسبة، بحيث يتناسب مدى تحسن العلاقات، مع المدى الذي يمكن لفرنسا الوصول إليه في تلبية الشروط المغربية. فالاعتراف “بمغربية الصحراء” وليس مجرد الترحيب بمبادرة الحكم الذاتي، لا يعدو -على أهميته- أن يشكل بوابة لهذا التحسن، دون أن يترتب عليه “أثمان” يمكن لفرنسا أن تطمح بالحصول عليها. فدولة تمتلك التاريخ الاستعماري لفرنسا في المنطقة عليها أن تصحح كوارثها الاستعمارية، وتصدر أوامرها لأزلامها في الجزائر بفتح الحدود وإنهاء وجود مرتزقة البوليساريو، وهذا أضعف الإيمان؛ قبل أن يجلس الطرفان (المغربي والفرنسي) إلى الطاولة لمعرفة كيف ستتم معالجة مشكلة الصحراء الشرقية المغربية، التي خلقتها فرنسا دون سواها. أما في الغرب الأفريقي، فالوصفة أكثر سهولة بعد أن خرجت فرنسا منها، وعليها فقط عدم عرقلة المسار المغربي الاستراتيجي في ترتيب أوضاع الفضاء الأفريقي؛ وعدم الوقوف في وجه حصوله على مقعد دائم في مجلس الأمن ممثلا للقارة. ساعتها فقط، يمكن الحديث عن “أثمان” ومنافع متبادلة، مقابل هذه السياسة الجديدة لفرنسا، وليس قبل ذلك!!

كلمة أخيرة “لعشاق فرنسا” الأوفياء لثقافتها ولكل ما يمت لها بصلة – دون تشكيك طبعا في وطنيتكم وصدق نياتكم -: ثقوا في قدرة بلدكم المغرب على الوقوف في وجه فرنسا، والدفاع عن مصالحه الحيوية من موقف قوة وليس ضعفا، بالفرض وليس الاستجداء، لأنه إن كانت دول الساحل الفقيرة والضعيفة استطاعت أن تطرد “الماما فرنسا” شر طردة من دولها، فلا يمكن تصور أن يعجز المغرب العزيز القوي عن فعل الشيء نفسه، والتخلص تماما من هيمنة ونفوذ المستعمر الفرنسي. كل ما عليكم أن لا تعاندوا حركة التاريخ، وتساهموا في تعطيل هذا الاستحقاق، بوقوفكم في الجهة الخاطئة!

اقرأ أيضا

دار الفن المعاصر “ببريش- أصيلة” تحتفي بالشباب المبدع

تنظم جمعية "الفن والثقافة" بدعم من وزارة الشباب والثقافة والتواصل، معرضا تشكيليا يضم أعمال ورشة فنانين شباب سيشتغلون في الفترة الممتدة من 28 أبريل الجاري إلى 2 ماي المقبل بدار الفن المعاصر ببريش قرب أصيلة، وذلك تحت شعار: "حينما يرعى الشباب الفن".