بقلم: د. صالح إبراهيم*
من غير الممكن عزل ما يجري في ليبيا عن التطورات التي تشهدها المنطقة العربية بوجه عام، كما أن محاولة تجاهل تأثير ما جرى في المنطقة على تطور الأوضاع في ليبيا هو نوع من الإنكار للحقائق على الأرض.
عمليات الإنكار هذه لما جرى في العراق من تهميش السنة وإلغاء كل فعاليات الشعب العراقي وكوادره العلمية والأمنية التي دفع عليها الشعب العراقي من قوة يومه، والأكثر من ذلك أن إطلاق يد إيران للانتقام من ضباط الجيش العراقي ومن العرب السنة وتهميش النخب العراقية بل وتصفيتها، مكن المتطرفين من خلق حاضنة شعبية من المهمشين والمضطهدين العراقيين وأدى إلى اختلاط الأوراق وتقاطع المصالح الغربية مع المصالح الإيرانية الإستراتيجية مع مصالح آنية مع بعض دول الخليج، حتى وصل العراق إلى ما وصل إليه.
وهنا أؤكد أن السيناريو العراقي قد يعيد نفسه في ليبيا حيث قد تتلاقى المصالح الغربية مع المصالح التركية والإخوان المسلمين على رؤية موحدة من الصراع في ليبيا، وقد تنجرُّ الدول العربية وخاصة دول التحالف العربي إلى مجاراة هذا المخطط لكسب دعم سني ضد الحوثيين في اليمن، ومواجهة التمدد الإيراني في المنطقة العربية، ولكن هذا التحول السياسي من القضية الليبية سيكون كارثيا على المدى المتوسط والبعيد، ليس على ليبيا فقط بل على دول المنطقة بما فيها الدول الخليجية ودول عاصفة الحزم، وخاصة دول المغرب العربي ومصر.
لا يجب أن ننسى أن الإيرانيين يشتغلون على إحياء الدولة الفاطمية في المغرب العربي ومصر، وأن هناك آلاف المصريين قد تشيعوا مؤخرا، ما يعكس حالة جديدة سوف تؤسس لظهور تيار سياسي إيراني يشبه حالة بروز حزب الله وحركة أمل في لبنان أثناء الحرب الأهلية اللبنانية.
إن ليبيا هي النقطة الرخوة في المنطقة، وإن حالة الإسفاف الديني والاستخدام المقيت للفتاوى الدينية لتبرير القتل والخطف والنهب، سوف تقود إلى ظهور جيل جديد يتبنى مذاهب أخرى أو حتى أديان أخرى، وربما سيقود إلى تنامي حالة اللا دين أو العلمانية التي أعقبت غلو الكنيسة في أوروبا في العصور الوسطى.
إن محاولة تونس والجزائر الانحياز لطرف من أطراف الصراع في ليبيا، ضد أطراف أخرى ستوسع هامش المناورة لقوى إقليمية أخرى لكسب موطئ قدم في ليبيا، ولهذا فإن انحياز قطر وتركيا والسودان للإخوان المسلمين أدى إلى دفع الحكومة والبرلمان المنتخب إلى البحث عن حلفاء من مصر والإمارات والسعودية، وإن تهميش المهجرين الليبيين الذين تجاوز عددهم مليونا ونصف المليون، وحرمان كل الكوادر العلمية والأمنية التي كانت تشتغل في النظام السابق حتى من حق المواطنة، قد يوفر حاضنة شعبية للدولة الإسلامية وكل التنظيمات الإرهابية وظهور داعش في مدينة سرت يطرح تساؤلا مهما في هذا الإطار.
اختلاط الأوراق في ليبيا بين داعش والإخوان المسلمين، وتدخل أطراف إقليمية ودولية سوف يقودان إلى بروز حركات تبشيرية جديدة بمذاهب غريبة على ليبيا، مثل الشيعة بما أنه هناك الآن ترويج في ليبيا حول إحياء الدولة الفاطمية، والتي هي نموذج آخر للحوثيين في اليمن، مع تمدد التطرف السني المتمثل في داعش، وسينقسم الليبيون كما هو الحال في اليمن الآن بين ثلاث قوى وستشكل القبائل الليبية المهمشة حاليا والمحسوبة على النظام السابق حاضنة للتطرف الديني ومخزنا لتفريخ الإرهابيين.
الآن ليبيا يتم هضمها من طرف مقاتلي الدولة الإسلامية بهدوء كامل ورضى من كل الأطراف العربية والدولية، بدءا من الولايات المتحدة وانتهاء بمجلس التعاون الخليجي. فدرنة تحت سيطرة المتطرفين، والجنوب يعج بمعسكرات الإرهابيين، وبنغازي رهينة لأنصار الشريعة، وصبراتة ستعلن عن نفسها كولاية إسلامية، وسرت وهراوة والجفرة شكلت قاعدة الدولة الإسلامية في ليبيا.
إن الحل الممكن وقبل فوات الأوان هو التوصل إلى توافق وطني ونسيان الماضي والبدء في مصالحة وطنية لكل الأطراف، باستثناء المتطرفين، وإصدار قانون للعفو العام والبدء في بناء الدولة لأن كل الخيارات الأخرى ستعيد إنتاج النموذج العراقي بأكثر حدة ووحشية.
*كاتب ليبي/”العرب”