بقلم: باسل ترجمان*
بدون مقدمات أو توقعات غير منتظرة بدأت فجر ليبيا بالتفتت بعد أن فرقت الطريق نحو إقامة حكومة وحدة وطنية بين أقلية ستشارك فيها وأغلبية متطرفة تجمعت تحت رايتها على خلفيات متناقضة يجمع بينها الإرهاب والتهريب والبحث عن الفوضى ومحاربة وجود دولة مركزية تمنعهم من الاستفادة القصوى من كل المتاح في الوضع الليبي وما أكثره.
تفتت فجر ليبيا تعمق في اجتماع الجزائر الذي أقصى للمرة الأولى وجوه توقع الكثيرون نجاحها في طي صفحة ماضيها الإرهابي وتسويق وجهها الجديد كزعماء لأحزاب سياسية وجدت من العدم، لكن المتغيرات السياسية ألقت بهم خارج المعادلة في تطور سيدفعهم للعودة مرة أخرى للحضن الأول الذي خرجوا منه، الجماعات الإرهابية.
طرابلس التي تسيطر على أجزاء كبيرة منها داعش والمجموعات المنضوية تحت لوائها تنتظر إعلان ساعة الصفر للسيطرة الكاملة عليها وتطهيرها من بقايا مجموعات فجر ليبيا التي رفضت مبايعة الجماعة والتي تشعر بالضعف والعزلة وتحاول البحث عن إسناد خارجي لاستعادة قوتها في مواجهة داعش.
داعش في صورة جديدة وتكوين غير تقليدي في الساحة الليبية لا يختلف في بعض مكوناته عن هيكلة التنظيم في العراق والتي جمعت شتات المتناقضات جميعها لمواجهة قدر محتوم فرضه اليأس والهزيمة وضياع الأمل، والتحالفات تجمع أعداء الأمس في مواجهة أقدار اليوم مما يمهد بصورة مأسوية لغد دموي قادم دون تمهل ليعيد تشكيل صورة ليبيا اليوم التي مازالت جهود الأمم المتحدة تسير متمهلة للوصول وربما مرة أخرى متأخرة بعد وقوع الكارثة في تكرار لجهد ضاع في أروقة المؤتمرات لحل أزمة اليمن.
من يراهن على فجر ليبيا لمواجهة داعش يسعى لجر تونس للمعركة الخطأ في التوقيت والمكان الخطأ ومحاولة إنقاذ بعض المهزومين في فجر ليبيا وإعطائهم دور قادم سيكون كارثة تتحملها تونس مجاناً خاصة والكثير من الأطراف الفاعلة في الملف الليبي ترى في عدد من أطياف بقايا المهزومين عبء سياسي دون قيمة مقابلة في المرحلة القادمة.
بوادر التهديد الاستراتيجي لتونس بدأت ملامحه تظهر بوضوح والمهم كيفية رؤية شكل المواجهة ونتائجها وهل ستكون المواجهة أمنية أم عسكرية مفتوحة، تساؤلات تطرح بعمق في التفكير لمواجهة القادم مع توقعات قادمة من أطراف في الأمم المتحدة بقرب صدور قائمة جديدة بأسماء شخصيات وقيادات ليبية بتورطها في الإرهاب وانعكاس ذلك على تحالفات وتوازنات محلية وإقليمية قائمة.
قائمة الأمم المتحدة ستكون طويلة ومفاجئة للجميع وانعكاساتها سترتد أساساً على علاقات هؤلاء المتهمين بالدول المجاورة خاصة قيادات في فجر ليبيا مما يفتح الباب على أزمات تزيد من تعقيد الأمور المرتبكة أساساً على خلفية تمدد داعش وسيطرتها على المناطق الغربية.
داعش المستفيد الأكبر من تفتت وانهيار فجر ليبيا ستخلق حالة انعدام توازن في أسس مواجهتها التي ستكون أساساً مناطة بعهدة القوات العسكرية التونسية بدرجة أولى ثم الجزائرية لكن المواجهة الأكبر والأخطر ستكون في المناطق المحاذية للحدود مع تونس والتي تشهد حالة من الفوضى والغياب التام لكل هياكل الدولة وتمدد كبير للجماعات الإرهابية.
هل سيكون انتظار القادم هو السبيل لمواجهته، أم البدء بالاستعداد لكل الاحتمالات السيئة المتوقعة في القريب القادم الخيار الأفضل خاصة مع إمكانية تحول المواجهة لصدام مسلح بين إرهابيي داعش وجيوش الدول المجاورة بعيداً عن احتمال وجود قوات تابعة لجماعات متفرقة ومهتزة وغير مضمونه سياسياً وعقائدياً ويمكن أن تغير تحالفاتها في أي وقت وبعيدا عن توقع الكثيرين.
صيف ساخن وداعش دخلت مرحلة تهديد العمق الاستراتيجي للأمن القومي لتونس مما يهدد بشكل غير مسبوق أمن واستقرار المنطقة.
*كاتب صحفي/”ايلاف”