تونس تتجاوز المصيبة

“من مأمنه يؤتى الحذر”، ينطبق هذا المثل على الجريمة الإرهابية الغادرة في متحف باردو بتونس، كما ينطبق على أي عملية جبانة تستهدف بلداً أو بريئاً حيثما كان، أما مذبحة السياح في تونس فلها وقع ثقيل على البلد وجاءت محملة بالدلالات والأبعاد ليس بالوسع تجاوز تأثيراتها المتعددة في مدى قصير.
أول ما يسجل في ردود الفعل على تلك الجريمة الشنيعة ما أظهره المجتمع المدني التونسي من توحد شبه شامل بالوقوف خلف الدولة في التصدي للإرهابيين وسحقهم، بينما بدت النخب السياسية محافظة في المجمل على تناقضاتها وترددها إزاء إبرام استراتيجية وطنية جريئة لمكافحة الإرهاب، ومرد الخلاف أن البعض يتخوف من أن سن قانون لمكافحة الإرهاب سيفتح الباب أمام عودة “الاستبداد”، والبعض الآخر يتخوف من كشف سجله الماضي في ظل شبهات بالتورط في تبييض الإرهاب والمساعدة على نشر الافكار المتشددة بعد الإطاحة بنظام الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي . أما الشق الأغلب فهو مع مكافحة الإهاب بلا تحفظ نظراً لأن الخطر قاتل ولا يرحم، ومواجهته لا تسمح بالترف السياسي بحثاً عن الكماليات الديمقراطية.
الظاهرة الإرهابية في تونس بدأت تبلغ مستويات خطرة، والضربة الأخيرة في المتحف الوطني وبجوار رمز سيادي هو البرلمان يمثل طعنة في الصميم لكل تونسي وكل مؤمن بالدولة وبالنظام الجمهوري . كما أن قتل أكثر من 20 سائحاً من جنسيات أوروبية يمثل إجهاضاً لموسم سياحي يعوّل عليه ليساهم بقوة في إنقاذ الاقتصاد المتهاوي . وأحسن الرئيس الباجي قائد السبسي تشخيص المذبحة بأنها “مصيبة” حلت بتونس، ولكنه تعهد بالمقابل بضرب الإرهاب بلا رحمة بعد إعلان التعبئة العامة ومساندة قوات الجيش والأمن . واستناداً إلى مواقف السلطة والقرارات التي أعلن عنها رئيس الحكومة الحبيب الصيد أن ردود الفعل التونسية على جريمة باردو، والحضور الإرهابي في البلاد ستكون قوية، وربما قاسية أحياناً وتزعج “حقوق الإنسان”، ولكن ذلك سيكون أمراً مطلوباً، فكم من منظمة إرهابية وخلايا متشددة تدثرت برداء “حقوق الإنسان” حتى تغلغلت في مجتمعات عديدة وأصبحت لاحقاً داء عضالاً يفني الدولة ويدمرها بنشر ثقافة القتل والترويع.
تونس اليوم أمام نقطة تحول تاريخية، فإما أن تنتصر على الإرهاب وتسحق من لوثوا شرفها بالتطرف، أو أن يصبح الوضع، لا سمح الله، ساحة مفتوحة للأعمال الإجرامية بما يتماشى مع ما تروجه بعض التقارير من أن تونس ستكون فضاء لاحقاً للجماعات المتشددة إذا نجحت في إخضاع ليبيا وبثت خلاياها في معظم مناطق المغرب العربي وجنوب أوروبا . ولكن ما كل ما يصدر من تحذيرات يتحقق، فتونس وفي ظل الإجماع الوطني الواسع على مقاومة الإرهاب والدعم الدولي قادرة على محو شراذم الشر من أراضيها والانتقام لكل من اغتيل واستشهد في أعمال جبانة . وهذا الإنجاز لن يتحقق بالشكل الأفضل إذا لم تكن الإرادة السياسية واضحة وحاسمة وتخوض حرباً شاملة لا تراعي شيئاً غير أمن البلاد وسلامة مواردها في المقام الأول، ولكن هذه الحرب ليست عسكرية وأمنية فحسب، وإنما هي اقتصادية وتربوية واجتماعية ودبلوماسية، وإذا كانت خطة الحرب شاملة، فإن النصر سيكون حليف تونس مثلما انتصرت في ثورتها وطوت حقبة الديكتاتورية وكذلك ستفعل بالإرهاب.

*كاتب صحفي/”الخليج”

اقرأ أيضا

مجلس النواب يمرر تعديلات تعويض المصابين في حوادث السير

صادق مجلس النواب، بالأغلبية على مشروع قانون رقم 70.24 بتغيير وتتميم الظهير الشريف رقم 1.84.177 يعتبر بمثابة قانون لتعويض المصابين في حوادث تسببت فيها عربات برية ذات محرك.

النيجر ترحب بمصادقة مجلس الأمن على القرار التاريخي 2797 الذي يكرس المخطط المغربي للحكم الذاتي

رحبت النيجر، اليوم الثلاثاء، بمصادقة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة على القرار التاريخي رقم 2797، الذي يكرس في إطار السيادة المغربية، مخطط الحكم الذاتي الذي اقترحته المملكة كأساس جدي، وذي مصداقية ودائم للتوصل إلى حل لقضية الصحراء المغربية.

بوركينا فاسو تجدد دعمها الثابت للوحدة الترابية للمغرب وتشيد بالمصادقة على القرار التاريخي 2797

جددت بوركينا فاسو، اليوم الثلاثاء، دعمها الثابت والدائم للوحدة الترابية للمملكة المغربية، مشيدة بمصادقة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة على القرار التاريخي 2797 الذي يكرس في إطار السيادة المغربية، مخطط الحكم الذاتي الذي اقترحته المملكة كأساس جاد وذي مصداقية ومستدام من أجل التوصل إلى حل لقضية الصحراء المغربية.

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *