سبق للمغرب أن أعلن موقفه الحازم الرافض لتدخل الاتحاد الإفريقي في مسألة الصحراء المغربية بعدما قرر الاتحاد بإيعاز جزائري، تعيين الرئيس الأسبق لموزمبيق، جواكيم شيسانو، مبعوثا خاصا له إلى الصحراء في يوليو 2014 وهو المعروف بتأييده لجبهة البوليساريو. مواقف الاتحاد الأفريقي اعتبرتها الرباط تتعارض تماما مع المسلسل الأممي الجاري.
طباخو ذلك المشروع أرادوا به تعطيل مقترح حل الحكم الذاتي بالصحراء المغربية، والمؤيد دوليا. فالمملكة المغربية أوضحت أن هذا النزاع المفتعل “هو من اختصاص حصري لمنظمة الأمم المتحدة، ولا يملك الاتحاد الأفريقي أي سند قانوني أو أساس سياسي أو شرعية معنوية للتدخل في هذا الملف، بأي شكل من الأشكال”.
الاتحاد الإفريقي الذي يضم 54 دولة، سبق وأن انسحب منه المغرب في أيلول/سبتمبر 1984 عندما كان يتسمى منظمة الوحدة الافريقية، بعدما تقرر قبول عضوية بوليساريو بدعم جزائري واضح.
بعض الدول الأفريقية لم تقطع مع سياسة النفاق وعدم الحيادية في تعاملها مع قضية الصحراء المغربية، وهذا ما تبين في هجوم رئيسي زيمبابوي وأنغولا على سيادة المغرب على أرضه، في القمة الإفريقية التي تنعقد يومى 30 و31 يناير بالعاصمة الإثيوبية أديس أبابا. هجوم لم يخرج عن مواقف الجزائر المساندة للبوليساريو.
رئيس الدورة الحالية للاتحاد الأفريقي الزيمبابوي روبرت موغابي، طالب بشكل فج بضرورة ما اسماه “تحرير كافة الأراضي الإفريقية” واعتبر “الصحراء تحت الاحتلال المغربي”. كلام موغابي هو بلا شك استفاقة على وقع رائحة بترودولار جزائري بعد غفوة دامت سنوات طوال.
بهذا الموقف لرئيس بلغ من العمر عتيا وتعرضه مرض النسيان بحكم السن، جعله يغفل أن المغرب كان من الداعمين بقوة لاستقلال الدول الإفريقية عن الاستعمار. وأن هذا الدعم كان يمر عبر صحرائه ومن خلالها تذهب الأسلحة والأموال والرجال.
حليف موغابي في الهجوم على المغرب، رئيس ناميبيا هيفيكبوني بوهامبا، ردد ما طالبت به الجزائر بحق المصير والاستفتاء في الصحراء المغربية، وربما لم يتناهَ إلى علمه أن الجزائر عرقلت غير ما مرة عملية إحصاء السكان كمقدمة لأية عملية استفتاء تنجز في بقاع العالم. ولعلمه أن الاستفتاء تجاوزته الأمم المتحدة إلى مفاوضات مباشرة حسبما أقرته لوائح مجلس الأمن منذ 2007 قصد التوصل إلى حل سياسي عادل ودائم ومقبول من الطرفين، وأخرى مكوكية حسب تعبير المبعوث الاممي كريستوفر روس.
هجوم كل من رئيسي ناميبيا وزيمبابوي، يؤكد أن دعوتهما لا تنهل من الواقع الحقيقي القانوني والاجتماعي والتاريخي للصحراء المغربية، وإنما تذهب انسياقا مع ما تمليه أجندات ومشاريع توسعية وانفصالية يدعمها دولارات النفط الجزائري.
النظام الجزائري يقود حملة شعواء ضد مصالح المغرب وعلى كافة الاصعدة. نظام كان دائما يعلن كذبا وبهتانا انه محايد في ملف الصحراء، لكنه في المقابل يدعم كل المجهودات لفصل جنوب المغرب عن شماله. ثبت هذا مع كل محاولاتها سواء على المستوى الافريقي او الاميركي او الاوروبي. فما معنى أن تتقدم بعض الدول الافريقية في اديس ابابا للتنديد بتنظيم منتدى كرانس مونتانا بمدينة الداخلة المغربية المزمع انعقاده في مارس 2015.
المنتدى الذي سيبحث في موضوع “إفريقيا والتعاون جنوب- جنوب”. و”الهدف ليس هو الدخول في صراعات جدلية عفا عنها الزمن، وإنما خلق فرصة بالنسبة لكبار ممثلي إفريقيا وباقي العالم”. حسب رئيس المنتدى جون بول كارتيرون. والذي أكد على أن تنظيم المنتدى سيكون “بعيدا عن خلافات الحرب الباردة والصراعات الإفريقية التقليدية المؤسفة، تقدم جهة وادي الذهب/جنوب المغرب/ بالفعل نموذجا وآفاقا تشكل دون شك علامات بارزة ومرجعا لتسوية النزاعات في إفريقيا.”
الجزائر بهذا المسعى تدق إسفينا في العلاقات التي ينسجها المغرب مع كل المتدخلين في العالم خدمة لتنمية الصحراء وإفريقيا والمنطقة.
لازالت الجزائر ماضية في مخططها المناوئ لمصالح المغرب ووحدته الترابية. فلم يعتبر نظامها الحاكم من الأزمة التي خلفها انهيار أسعار النفط، ولا التصدع الذي أصاب القشرة الاجتماعية الهشة أصلا ببلاده. ولم يرتدع هذا النظام من الهزات المتتالية التي يعرفها العالم من الإرهاب والخرائط المتشظية، من سوريا شرقا إلى جارته ليبيا.
كثفت الجزائر المحتضن الرسمي للبوليساريو، من تحركاتها داخل هياكل الاتحاد الأفريقي، بعدما انتهى لعلمها أن الأمين العام للأمم المتحدة “أخذ، كما ينبغي، بتعاليق وملاحظات المغرب بخصوص ملف الصحراء”. وبأنه أعطى ضمانات حازمة بخصوص حيادية وموضوعية ونزاهة مسؤولي الأمم المتحدة المكلفين بتسهيل المهمة الأممية بالصحراء المغربية.
لقد أراد نظام الجزائر من خلال شراء دعم زيمبابوي وانغولا التأثير على المنتظم الدولي لتغيير نظرته الى ملف الصحراء قبل حلول شهر أبريل 2015 الذي ينتظر أن تكون سنة الحسم في هذا الملف.
هناك تناقض صارخ بين ما يدعيه موغابي من حرصه على تحرير ما اسماه “الشعب الصحراوي”، ورفاهيته. وما تعرفه بلاده زيمبابوي من فقر مدقع يضرب 70 في المائة من السكان، والانتهاكات لحقوق الإنسان والعنف السياسي.
إذن كيف لموغابي ذي 90 عاما والذي تولى رئاسة الاتحاد الإفريقي، أن يعمل على تعزيز السلام والاستقرار في جميع أنحاء أفريقيا، وأعوانه يخضعون لعقوبات الاتحاد الأوروبي والولايات بعد تزوير انتخابات 2002 و2008، إلى جانب ممارستهم العنف والترهيب والفساد المالي والاداري. ونتفق مع دبلوماسي إفريقي في “إن أسلوب موغابي ينتمي إلى الجيل الماضي”.
ولن يهم كم من مرة سنقول أن الصحراء المغربية لم تكن أرضا خلاء، فهي جزء أصيل من جغرافية المغرب، “إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها”، بكلام الملك محمد السادس. رغم ما أراده الاستعمار الفرنسي والاسباني من المغرب أن يكون منقسما على ذاته، ويعج بالمقاطعات المتناثرة والطوائف المتناحرة. فالاستعمار الحقيقي ومخلفاته بالمنطقة، أراد من المغرب أن يصبح جزيئات مجهرية ليسهل التحكم به.
*كاتب صحفي/” ميدل ايست أونلاين”