وصفة مصرية للجزائر

بين مصر والجزائر حال تماه أقرب إلى اتكاء، وإن كان العازل الجغرافي لا يسمح بالتأثر كثيراً كما في الجوار الليبي- المصري. وتبدو المؤسسة العسكرية في الجزائر أكثر ارتياحاً إزاء دخول المشير عبد الفتاح السيسي حلبة منافسات الرئاسيات، فيما لا يريد المصريون لتجربة بلادهم أن تتوقف أمام الحالة الجزائرية في العشرية السوداء. بل تتخطاها بقدر أقل من الخسائر وهدر الأرواح.
بيد أن إعلان الفريق المتقاعد محمد الطاهر يعلي الترشح للرئاسيات الجزائرية، لا يخرق قاعدة أن الجيش كان يُحرك اللعبة من وراء الستار فقط، بل يدفعه إلى الواجهة، ولا يعني تبادل الاتهامات بين الأجنحة المتصارعة عند الحديقة الخلفية للرئاسة والراغبين في القدوم إلى قصر المرادية عبر حصان طروادة، سوى أن درجة الصراع بلغت مرحلة فيض الإناء الذي يغلي فوق سطح ساخن.
كلما اقترب موعد السابع عشر من أبريل ( نيسان ) تكاثرت الأيادي، بين من يريد أن ينزع الإناء من فوق النار، ومن يرغب في أن يتركه حتى انتشار رائحة الحريق.
لو أدرك الجزائريون الذين كانوا وراء إقرار الاتحاد الإفريقي رفض الاعتراف بأي حركة انتقالية، تطاول استيلاء العسكر على الحكم، من دون غطاء ديموقراطي، أنهم سيحتاجون في الزمن المقبل إلى وصفة مصرية، على قياس خطوة المشير السيسي، لصرفوا النظر عن هكذا قرار. أقله أن ما يحدث في مصر يساعد الفرقاء المتصارعين في الجزائر على تلمس معالم الطريق، في ضوء اختلاط الأوراق. وقد لا تعني دعوة الفريق ليامين زروال إلى دخول خط المنافسات، وهو الرئيس الذي تزامنت ولايته القصيرة مع اندلاع المواجهات مع الإسلاميين المتطرفين، أكثر من استحضار ملامح العشرية السوداء، لتأكيد أن الجزائر ما خرجت من ذلك النفق لتعود إليه، ولكن لتجعل من رهان الاستقرار سقفاً عالياً لا تلمسه الأيادي المترقبة إلى السلطة، من دعم المؤسسة العسكرية.
ما يفسر الوجه الآخر للحراك الدائر في الجزائر أنه أخرج اللاعبين كافة من مواقعهم. وللمرة الأولى يدور تطاحن لا هوادة فيه على ضفاف الجيش والاستخبارات ومناصري معاودة ترشح الرئيس بوتفليقة، على اختلاف حساباتهم ومشاربهم، ثمة من سيلعب دور الأرنب في إذكاء السياق، وثمة من سيُفاوض لاحتلال مكانة ما في مربع التصفيات النهائية، وثمة من يرغب في بقاء الأوضاع على حالها، أكان ذلك مع رئيس تعوزه الطبيعة التي تقهر الإنسان، أو مع من ينوب عنه في إطار مراجعة لتراتبية الحكم، أو عبر أي صيغة مرتقبة، لا بد أن ينتج عنها رابحون وخاسرون.
هل مشكل الجزائر في رئاستها أم في انتخاباتها؟ في أي حال فإن الأجواء المحيطة بالرئاسيات تختلف كثيراً عن سابقاتها، والقاسم المشترك بينها أن الرجل الذي أدرج اسمه كأول رئيس مدني يحكم البلاد، نجح في إخراج الجزائر من أصعب الأزمات، على طريق بعث الأمل في إمكان فرض الاستقرار، وإن تخللته صعوبات، يصعب عليه اليوم، بكل المقاييس أن يخرج من شبح أزمة الانتخابات، ومصدر ذلك أن دولة المؤسسات لم تترسخ كتقاليد وقناعات، تسمح بالتداول السلمي، خارج دائرة التأثيرات التي تتجاذبها.
وإذ يحسب للجزائر أنها نأت بنفسها بعيداً عن موجة الحراك العاصف الذي أطاح أنظمة وهوى على قلاع، فإن بوادر عودته لا تنتظر قراراً، بل إرادة في المضي قدماً على طريق اقتلاع أسباب التوتر، وقد لا يكون من قبيل الصدف أن الغليان ذا النزعة العرقية الذي يجتاح منطقة غرادية اندلع بتزامن مع غليان السيوف التي استلت من غمدها بين أجهزة ومؤسسات ومراكز نفوذ. كما ليست صدفة أن يعود زعيم جبهة الإنقاذ المحظورة من منفاه الاضطراري ليدعو إلى تمكين مناصريه من إسماع صوتهم، وسط هدير الأمواج المتلاطمة.
ومع أن جبهة الإنقاذ لم تعد هي نفسها، ومع أن تجارب ما يُعرف بالربيع العربي آلت إلى طرح المزيد من الأسئلة حول أفضل الصيغ الممكنة لاحتواء الحركات الإسلامية، من دون الإجهاز عليها كلياً، أو نزع بعض أنيابها في أقل تقدير، فإن المؤسسة العسكرية في الجزائر لم تغادر المعترك نهائياً.
ما يبدو مغرياً بالنسبة للتجربة المصرية، قد لا يكون كذلك بالنسبة للجزائر. وما قد يكون سالكاً في أرض الكنانة التي استعصت على تحاشي الانفلات، قد لا ينطبق كلياً على الجزائر، ليس فقط لأنها لم تجرب حكم الإسلاميين وتصنفهم في الخانة التي يرتضيها الناخبون فقط، ولكن نظراً للفارق الكامن في التجربتين، وقد لا يعني نزع عسكريين قبعاتهم والدخول على خط المنافسات سوى أن الاحتمالات المفتوحة في كل الاتجاهات، تدفع إلى التموقع.
والأكيد أن معاودة استنساخ تجربة الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة في بداياتها الأولى ستكون مشجعة، لولا أن المآل الذي تطورت إليه الأمور، على خلفية فتح ملفات التورط في الفساد تشد الجزائريين أكثر إلى البحث عن مخرج لائق، يأخذ من حسنات النظام أهمها على مستوى تكريس الاستقرار، ويترك من عيوب التجربة ما يثير القلق ويزرع اليأس.
“الحياة” اللندنية

اقرأ أيضا

غزة

فلسطين تطالب المجتمع الدولي بالتعامل “الجدي” مع إعلان إسرائيل نيتها السيطرة على غزة

وكالات طالبت وزارة الخارجية الفلسطينية، الخميس، المجتمع الدولي، بالتعامل “الجدي” مع إعلان إسرائيل نيتها السيطرة …

يخرج من السجن بعد 26 عاماً ويعود بتهمة مماثلة

بعدما قضى 26 عاماً، أُطلق سراح سارق بنك من السجن الفيدرالي، بموجب برنامج «الإفراج الرحيم» …

دون تسجيل أي خرق للقانون.. مسؤول: إنتاج القنب الهندي بالمغرب بلغ سنة 2024 حوالي 4000 طن

أكد المدير العام للوكالة الوطنية لتقنين الأنشطة المتعلقة بالقنب الهندي، محمد الكروج، اليوم الخميس بالرباط، أنه لم يتم تسجيل أي خرق للضوابط القانونية المتعلقة بالأنشطة المرتبطة بالقنب الهندي خلال سنة 2024.

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *