من كان يتصور أن يخصص الاتحاد الأوروبي لجنة للاستماع إلى أحزاب الموالاة والمعارضة حول ما يسمى بـ”شغور” منصب الرئيس؟ وهل تغيير الرئيس مراجعته الطبية من مستشفى عمومي فرنسي إلى مصحة خاصة هو الذي يدفع بالحكومة الفرنسية إلى تحريك “هذه اللجنة” لمعرفة ما يجري في الجزائر؟ وهل يحق لوزراء حكومة عبد المالك سلال أن يتحوّلوا إلى لجنة مساندة للمرشح الوحيد لقيادة “الباترونة” في الجزائر؟ أعتقد أن الإجابة عن هذه الأسئلة قد تمكننا من معرفة ملامح المرحلة القادمة.
الحاضر الغائب والمنصب الشاغر؟
أصبحت الساحة السياسية تضم أربع جبهات سياسية: اثنتان منها تمثلان السلطة بطريقة مباشرة أو غير مباشرة وهما جبهة التحرير الوطني ومشتقاتها وجبهة القوى الاشتراكية وملحقاتها، والاثنتان الأخريان تجسّدان المعارضة بمختلف أطيافها وهما: تنسيقية الحريات بأحزابها وشخصياتها من التيار الإسلامي والعلماني والوطني، وجبهة التغيير بأحزابها وشخصياتها.
يبدو أن ما يجمع بين أحزاب الموالاة من نفاق سياسي أكثر مما يجمع بين أحزاب المعارضة من تناغم حول “التحول الديمقراطي”، وما يفرّق بين هذه الأطراف الأربعة أكثر مما يجمع بينها، لكن لم يعد باستطاعة هذه الأحزاب وضع حد لـ”العد التنازلي” في العلاقة بين الاتحاد الأوروبي و”جزائر بوتفليقة”؛ فالخطوة الأولى نحو التدخل في الشأن الداخلي للجزائر بدأت بالاستماع إلى ممثلي هذه الأقطاب موالاةً ومعارضة بالرغم من محاولة أحزاب السلطة تخوين أحزاب المعارضة بحجة أنها هي التي دفعت إلى التدخل الأجنبي في خصوصيات الجزائر، والحقيقة هي أن السلطة وأحزابها والمعارضة ومشاربها مكّنت الاتحاد الأوروبي من إيجاد تبريرات التدخل.
صحيحٌ أن وفد الاتحاد الأوروبي الذي يرأسه برنار سفاج (رئيس قسم المغرب بإدارة السياسة الخارجية والأمن لدى مفوضية الاتحاد الأوروبي) وعضوية السفير ماراك سكوليل (رئيس وفد الاتحاد الأوروبي بالجزائر) ولويس ميغال بوينو باديبا (رئيس مكتب الجزائر) والمستشاران (إيلي كلين ودريك بويدا)، أعلن أن اللقاءات التي تمت بمقر البعثة الأوروبية بالأبيار أو بمقرات الأحزاب تدخل ضمن “اتفاق الشراكة بين الجزائر والاتحاد الأوروبي وأن الوفد جاء للاستماع فقط وليس للتحقيق”، لكن الحقيقة ستكشف لاحقا؛ فاللقاءات التي أجراها هذا الوفد مع جبهة التحرير وجبهة القوى الاشتراكية وقطب التغيير وتنسيقية الحريات تشكل بداية التدخل في الشأن الوطني، أمّا ما صرّحت به هذه الأطراف باختلاف مضامين ما قدّمته للوفد الأوروبي فيبين أنها تورّطت بحسن نية أو(… ) في إعطاء الفرصة لهذا الاتحاد سواء بطلب منه أو بطلب من بعضها.
إن أهم انشغال سجّلته “لجنة الاستماع” الأوروبية يتعلّق بالمادة 88 من دستور 2008 أو ما يسمى بـ”شغور منصب الرئيس” أو ما يسميه عمّار سعداني بـ”الخط الأحمر” أو ما تسميه تنسيقية الحريات بـ”الانتخابات المسبّقة” كان عبر وثائق وأدلة قُدّمت للوفد الأوروبي، فهل يحق له أن يصدر لائحة أوروبية لدعم المعارضة؟ أم سيستغلها للضغط على الحكومة؟ أم أن الحكومة الفرنسية أوعزت له بذلك بعد أن أصبح الملف الطبي في “مصحة خاصة” تحررها من “واجب التحفظ”؟
جاء رد الرئيس عبد العزيز بوتفليقة في رسالة وجهها إلى مؤتمر “التطورات في مجال القانون الدستوري في إفريقيا” المنعقد بالجزائر يؤكد فيه أن “الجزائر تستعد لتعديل دستورها وهي تحضّر ذلك بجدية، وكلها دراية بنضج الأفكار التي أفرزتها المشاورات الواسعة التي نُظمت لهذا الغرض”، وأعلن رئيس المجلس الدستوري أن “تعديل الدستور مبرمج في أجندة اجتماع جملس الوزراء القادم” فهل صار مدلسي ناطقا رسميا باسم الحكومة؟ ولماذا يخاطب الرئيس الأفارقة وهو أول من سمح باختراق دستور الأفارقة الذي يمنع الاعتراف بالانقلابيّين الذي تبنته الجزائر ولكنها سمحت للجنرال عبد الفتاح السيسي بالدخول إلى إفريقيا عبر البوابة الجزائرية؟.
رياح التغير: الفعل ورد الفعل
إن الإصلاحات التي بدأتها الجزائر عام 2012 كانت مجرد رد فعل على رياح الربيع العربي بحيث سارعت إلى إنشاء لجنة لتعديل الدستور بقيادة عبد القادر بن صالح رئيس مجلس الأمة، لكن حين تدهورت الأوضاع الأمنية لدول الربيع تراجعت عنه وحين قاطعت أحزابٌ إسلامية وعلمانية ووطنية رئاسيات العهدة الرابعة، كان رد فعلها تكليف أحمد أويحيى، مدير ديوان الرئيس، بإعادة فتح ملف تعديل الدستور بهدف تكسير جبهة أحزاب “تنسيقية الحريات” التي قاطعت هذا الحوار، والنتيجة هي تحرك الاتحاد الأوربي، فأيّ مخرج للسلطة الآن؟ خاصة بعد أن صار الوزراء لجان مساندة لمرشح وحيد لرئاسة ما يسمى بـ”الباترونة”؟ وهل ذلك يعود إلى سلطته الإعلامية أم إلى علاقته بأصحاب القرار؟.
أعتقد أن الدستور الجزائري الحالي أو المعدّل لا يتطرقان إلى المادة المتعلقة بالثلث المعطِّل الممثل في 48 نائبا في مجلس الأمة يعيّنهم الرئيس وهم “سيف الحجّاج” المسلّط على الأغلبية البرلمانية، وتأخير الكشف عن مضمون الدستور للشعب الجزائري مرهون بنتائج رئاسيات تونس؛ فإذا فاز الباجي قائد السبسي بالرئاسيات فإن الدستور سينص على “نائب رئيس” وإذا فاز محمد المنصف المرزوقي بالرئاسة فسيتضمّن تحديد العهدة بمرتين وربما سيقتدي بوتفليقة باليمين زروال بتقليص عهدته.
*كاتب جزائري/”الشروق” الجزائرية