بداية ورفعا لأي لبس أشير بداية أن احترامي وتقديري لأستاذي أحمد بوزفور لا جدال فيهما، فمنه تعلمت الكثير في مدرجات الجامعة، وفي بداياتي المتعثرة في الكتابة، إذ استفدت الكثير من ملاحظاته، التي ما زلت أحتفظ بها إلى يومنا هذا، ولقد حظيت مجموعتي الأولى” هواجس امرأة” بتقديم جميل منه، فتح لها عقول وقلوب القراء، وما زلت إلى يومنا هذا أتعلم من العطاء الوافر لأستاذنا الكبير، وأعتبره شخصيا مفخرة لنا وللأدب المغربي الحديث..
لكل ذلك أعتبر ردي عليه سعيا متواضعا مني إلى أن لا تمر كلمته القيمة في أحد الملتقيات الأدبية مرور الكرام، فلا بد أن نستثمرها من أجل الانخراط في نقاش قوي وفعال ومثمر خدمة للقصة القصيرة في بلادنا، ولتحريك مياه بركتنا الساكنة، التي هي في أمس الحاجة إلى هذا النقاش.
لقد افتتح سي أحمد مداخلته بما مفاده بأنه سينكب بالحديث عن ما يمارس على القصة من تخريب بدل حديثه عن التجريب، محور الملتقى الأدبي، الذي كرس مداخلاته لهذا الموضوع، ويمكن أن يفهم المتلقي من هذا التقديم أنه عبارة عن إشارة ذكية، تقرن التجريب بالتخريب، وحقيقة أجدني أستغرب ذلك – طبعا إن صح ما ذهبت إليه- من رجل كان وما يزال من رواد التجريب في بلادنا، حتى أن هناك من يعتبر أن القصة عرفت تحولات عميقة بفضل تجريبيته المرسخة والمشهود بها.
تحدث سي أحمد بعد ذلك عن الملتقيات الأدبية واعتبر أنها تهتم بالكاتب أكثر من الكتاب، وعاب على منظمي هذه اللقاءات احتفاءهم بالكتاب دون كتبهم، ومرة أخرى أجدني مستغربا من هذا الطرح، لأن أستاذنا سي أحمد هو أكثر الكتاب احتفاء في المغرب، ولا أجد في ذلك أي منقصة، بل هو أمر مطلوب ومرغوب فيه، فالكاتب هو الطريق الممهد إلى كتاباته، فبعد لقاء الجمهور بالكاتب حتما سيهتم أكثر بكتاباته، يبحث عنها و يتداولها المستفيدون من اللقاء فيما بينهم خاصة إذا أخذنابعين الاعتبار مشكل توزيع الكتاب في المغرب، بحيث إنه لا يصل إلى كثير من المدن المغربية، ناهيك عن القرى و المناطق الهامشية عموما، ولعل هذا المشكل مما يجعل هذه اللقاءات المحتفية بالكاتب مرغوبة، فهي ليست هدفا في ذاتها، وإنما هي فقط وسيلة لتحفيز القراء المفترضين على قراءة كتب المحتفى به.
ناقش سي أحمد في ورقته كذلك الشفوي والكتابي في القصة، وأجدني متفقا معه في هذا الطرح إلى أبعد الحدود، فالكتابة القصصية الحديثة هي ترسيخ للبعد الكتابي ضدا على البعد الشفوي، الذي استسلمت له الثقافة العربية لردح من الزمن، فغزا فنونها التعبيرية الأدبية إلا فيما ندر، وكان من نتائجه المباشرة طغيان الغنائية والصوت الوحيد على النصوص، ضدا على الدرامية وتعدد الأصوات، وأظن أن كتابة القصة باللغة الدارجة هو في عمق هذا الإشكال، بحيث أنه ينكص بالتجارب الإبداعية القهقرى، وكنت أتمنى في هذا الصدد أن يقدم سي أحمد نقدا ذاتيا بهذا الخصوص لأنه أدلى بدلوه فيه، ولا أخفي أنني حين اطلعت على كتابته للقصة بالدارجة في حينه، شعرت بأن الأمر ليس على ما يرام، وأنه سيصيب القصة القصيرة في مقتل، خاصة وأن سي أحمد أيقونة للقصة في بلادنا وسرعان ما يقلده كتاب القصة و ناشئتها على حد سواء.
أما بخصوص الميتا قصة، والتي خصص لها مهرجان خنيفرة للقصة القصيرة جدا دورة خاصة، فأجدني منتصرا إلى الحق في تجريبها داخل النص، بما يعني أن من حق القصة أن تتأمل ذاتها وهي تنكتب، وحتما سيضيف ذلك للقصة الكثير إن حسن توظيفه، أما خارج النص فلست معنيا بذلك، لأنه لا يهمني لا من قريب ولا من بعيد، ويدخل في حرية الكاتب وحياته الخاصة، التي لسنا معنيين بها بتاتا، فما يهمنا هو نصوصه.
عاب سي أحمد في ورقته على الكتاب لجوءهم إلى الخارج لنشر كتبهم، وبصراحة أجدني غير مقتنع بتاتا بالمبررات التي ساقها أستاذنا لإبراز عيوب هذا النشر، وكأنني به يدعونا إلى نوع من الانغلاق على ذواتنا، وكأننا في جزيرة مسيجة الحدود.. نعم نحن مع النضال من أجل حل مناسب لمشكل النشر في بلادنا، لكن هذا لا يمنعنا من ممارسة حقنا المشروع في نشر كتبنا أينما تيسرلنا ذلك ، وقد أشار سي أحمد في سياق حديثه عن” الشفوي بدل المكتوب” للكاتب محمد زفزاف، وحتى لا نقف عند “ويل للمصلين” فيستحسن أن نذكر بأن هذا الأخير نشر أكثر كتبه في الخارج، لذا أرى أنه من حق الكتاب المغاربة الانفتاح على محيطهم العربي لنشر نصوصهم والترويج لها وانتزاع الجوائز والاعتراف المستحق، وأحسب أن في ذلك نوعا من الإحراج للمسؤولين عن الثقافة في بلادنا ليتداركوا ما يمكن تداركه، ولعمري إن في ذلك نوعا من النضال.
وفي ختام هذا الرد، أكرر تقديري واحترامي لأستاذي أحمد بوزفور، وأتمنى أن تكون ورقته القيمة محفزا على الانخراط في نقاش يساهم فيه الجميع، حتى نعي على الأقل ذواتنا، ونطور تجاربنا نحو الأفق المأمول.