لا شكّ أن هناك نقاطا إيجابية عديدة جاء بها المشروع التمهيدي لتعديل الدستور، ومنها السماح بحرِّية التظاهر، ومنع التجوال السياسي، وتمكين المعارضة من إخطار المجلس الدستوري من خلال نوابها في البرلمان…
لكن المشكلة لا تكمن في جودة الدستور المنتظر، فحتى الدساتير السابقة منذ عام 1989 إلى آخر دستور معدّل، كانت في عمومها جيِّدة باستثناء بعض موادها المتعلقة بفتح العهدات الرئاسية وإنشاء مجلس الأمة، وما عدا ذلك فقد كانت عموم موادها “مثالية”؛ فهي تتحدث عن الديمقراطية والتعددية والحريات وتداول الحكم والفصل بين السلطات وإرادة الشعب… إلا أنها بقيت حبرا على ورق، ولم تكن هناك ديمقراطية حقيقية ولا تداولٌ للحكم ولا فصلٌ حقيقي بين السلطات ولا إرادة شعبية في اختيار الحكام في ظل تفشي التزوير وسرقة أصوات الشعب وتحويلها… وقد أحسن المرحوم الشيخ نحناح حينما عبّر عن هذا الوضع بمقولته الشهيرة “إنها مشكلة لصوص لا مشكلة نصوص”.
لذلك، فإن حديث السلطة عن أن التعديل الدستوري الجديد يخدم المعارضة، هو من قبيل الضحك على الذقون، حتى ولو بدت موادُه كذلك في الظاهر؛ فالعودة إلى نظام العهدتين الرئاسيتين المغلقتين كما ورد في دستور زروال عام 1996، لا يعني السماح بتداول كرسي الرئاسة ديمقراطيا كما تحاول السلطة الترويج له ضمنيا، بل يعني أن مرشحا من النظام سيخلف آخر بعد أن يحكم الأول 10 سنوات “فقط” وليس مدى الحياة؛ أي إن “التداول” سيكون بين شخصيات النظام وحدها؛ فبعد أن يحكم موسى الحاج 10 سنوات يخلفه الحاج موسى 10 سنوات أخرى، ولن تحصد المعارضة غير الريح، فما الفرق الجوهري إذن بين أن يحكمنا رئيسٌ مدى الحياة أو أن يحكمنا آخر 10 سنوات “فقط” ويترك المجال لغيره من الطينة نفسها؟!
إقرأ أيضا: تعديل الدستور ولعبة النظام الجزائري النمطية
إن الديمقراطية الحقيقية التي تكون الانتخاباتُ الحرّة النزيهة وتداولُ الحكم ركيزَتها الأساسية، لا تتحقق بدساتير معدَّلة تقدّمها زورا الآلة الإعلامية للسلطة على أنها تخدم الديمقراطية والحريات، بل تتحقق فقط بالنضال المستميت والدؤوب، والإصرار على تجسيد الانتقال السلس للسلطة من خلال النضال لإجراء انتخابات حرة ونزيهة ووضع حدّ للتزوير المُزمن ومصادرة إرادة الشعب، وعدم الاستسلام لليأس بسبب إصرار السلطة على احتكار الحكم وتكريس ديمقراطية الواجهة.
لذلك ينبغي أن تتفادى المعارضة الوقوع في فخّ التركيز على تفاصيل الدستور الجديد والدخول في جدالات كثيرة بشأن هذه المادة أو تلك، أو بشأن تمريره عبر البرلمان وليس الاستفتاء الشعبي، فهذه المسائل كلها هامشية مقارنة بالمسألة الرئيسة وهي: هل بلغت السلطة مرحلة بدأت تقتنع فيها بضرورة إعادة الكلمة للشعب وحده بعد أكثر من نصف قرن من الوصاية عليه؟ أم إنها لا تزال مصرّة على الخلود في الحكم وتريد فقط إلهاء المعارضة بمسائل هامشية، وإن كانت إيجابية كما أسلفنا، على غرار منع التجوال السياسي؟
هذا هو السؤال الحقيقي الذي ينبغي أن يُطرح بكل وضوح.
*صحفي جزائري/”الشروق”