فقرة من قلب الصحراء تهتم بالتعريف بالموروث الثقافي الصحراوي من عادات اجتماعية، وتقاليد وتاريخ مدن الصحراء المغربية.
وسيسلط حاتم الوالي الباحث في ثقافة وتاريخ الصحراء في الحلقة السادسة، الضوء على الرواية الصحراوية كموروث أدبي ثقافي وطني.
الرواية الصحراوية
لامناص أن الرواية هي الجنس الأدبي الأقدر على التقاط التفاصيل واقتناص المشاهد، وقد شكلت الصحراء باعتبارها مكانا شاسعا يلهب خيال الكاتب الصحراوي ويجعله يقتحم هذا الفضاء المفتوح على الجهات الأربع، لينقل حياة وثقافة الإنسان الصحراوي.
الرواية بالصحراء لاتزال طرية العود، وإن كانت الرواية في الوديان الثلاث قد بدأت متأخرة بالمقارنة مع مثيلاتها في المحيط العربي، إلا أنها تشق طريقها بتباث نحو القمة، المسير إلى ذلك سيستغرق أعواما طويلة من المراكمة.
ويؤكد الوالي لمشاهد 24 أن رواية الوديان الثلاثة استفادت مما راكمته الرواية العالمية بشكل عام، والرواية العربية بشكل خاص، كما أن تلامسها بالرواية المغربية، كل ذلك جعلها تختصر الطريق، إذ لا نكاد نقرأ نصا إلا ونلمس فيه ملامح الرواية الجديدة بتقنياتها المبتكرة.
إلا أن على مستوى الموضوع أو على مستوى ماهو تقني، أما ماهو موضاعاتي ما زالت رواية الوديان الثلاثة تدور في فلك المواضيع الاجتماعية والسياسية والثقافية، وما زالت كثير من المواضيع الأخرى غائبة عنها، خاصة روايات الرعب والفانتازيا.
عموما، يمكن القول أن الكم يولد الكيف، فإنه لا يمكن التحدث عن جودة الرواية الصحراوية الآن من عدمه، طالما أن النصوص المتوفرة لا تتجاوز خمسين نصا، وعمر هذه النصوص لتوه بلغ ربع قرن، إن اعتبرنا أن رواية أحمد قاري التي خرجت للوجود سنة 1997 هي أول نص منها.
وفي محاولة تصنيف مجمل الأعمال الروائية يمكن التصنيف إلى نوعين من الرواية: رواية الإجتماعية والرواية الفلسفية.
فالرواية الاجتماعية هي الرواية التي ناقشت قضايا متعلقة بلحظة الانتقال المفاجئة للمجتمع الصحراوي، من البادية إلى المدينة في منتصف السبعينات، والتي أحدثت تحولات فارقة في نمط عيش هذا المجتمع.
فالتحول الفجائي هذا، كان مادة دسمة للكتاب والادباء في الوديان الثلاث للكتابة عليه وإظهار تمظهراته في أعمالهم. بالاضافة إلى العلاقات الاجتماعية للمجتمع الصحراوي وقضاياه المتعلقة بالمرأة والشباب والهجرة الغير شرعية ….
وأهم هذه الإعمال نجد عمل الأديب “النعمة بيروك” -كولومينا-. الذي يسافر بنا في حي كولومينا الذي يجسد للحظة التحول والاثار الناتجة عنها في البنية الذهنية للمجتمع الصحراوي.
أعلام الرواية الصحراوية
وأشار الباحث الوالي أن من أهم الأعمال نجد عمل الروائية “فتيحة بوجدور” -حصاد الجدائل-، التي طرحت قضايا اجتماعية متعلقة أساسا بالطلبة في تحولهم من مدن الصحراء إلى المدن الداخلية التي توجد فيها جامعات، وما يطرأ من تغيرات نفسية للطلبة من صعوبة التأقلم، والحنين إلى أجواء البادية.
وداخل هذا الصراع النفسي لأبطال العمل تتطرق الروائية إلى قضايا تهم المجتع الصحراوي من قبيل الطبقية الاجتماعية والقبلية.
إن الرواية الاجتماعية هي رواية شاهد على عادات وتقاليد وتحولات المجتمع الصحراوي، وتضيء بشكل وفير على جوانب كبيرة في ثقافة مجتمع البيضان.
أما الرواية الفلسفية فهي روايات حاول كتابها طرح القضايا الفلسفية ونقلها من الفكر الفلسفي الجامد إلى متناول الناس، ضمن سياقه الصحيح، وإظهار قدرة الرواية الفلسفية على تعزيز الوعي النقدي والتنويري ونشره، وإمكانية العلاج بها، على صعيد الفرد والمجتمع والعلاقات.
هذه الرواية جسدها عمل الكاتب أحمد بطاح في روايته “سجن بلا جدران”، التي يسافر بنا الكاتب في عوالم الفلسفة الوجودية وسؤالها الشهير، لماذا وجدنا إن كنا سنصير إلى العدم؟ وقضايا متعلقة بالوجود الإنساني وانشطاراته في تعاطيه مع الوجود اليومي المثقل بانشغالاته.
وهناك رواية أخرى تسير في هذا الاتجاه وهي رواية “غربة بلون الرمل” لكاتبها “الحافظ الزبور”، الذي تحدث بشدرات فلسفية عن الاغتراب والهجرة وإظهار الوجه القبيح للغربة والاغتراب والتفتت الذي يعيشه المغترب الذي لا يجد موطنا يعترف به سواء موطنه الأصلي أو موطن هجرته.
هذين النموذجين خرجوا عن نمط الكتابة الروائية السائدة في الوديان الثلاث، فقد حاولت أن توسع مدارك القارئ وفتح أفق تفكيره بالنظر إلى الإعمال الكلاسيكية المنتشرة. التي لا تشاغب ذهن القارئ بل تهادنه ويستكين لها المتلقي.
الرواية الصحراوية بالمغرب إذن هي التي كتبت في مجال يُفضل تسميتها برواية الوديان الثلاثة، وهي تشترك في جملة مقومات مع مجال آخر أشمل هو مجتمع البيضان أو المجتمع الحساني، واشتغلت الرواية الصحراوية على موضوعات متنوعة: اجتماعية، وفلسفية، وسياسية وثقافية، لذلك فهي تمضي في مسارها الصحيح ولو أنها ما زالت تعيش مرحلة التجريب والبدأ إلى حد ما.