سليم بعيرة ـ (أراجيك) تشهد الحرب المستمرة في سورية منذ أربع سنوات تبادل السيطرة على الأراضي ما بين قوى المعارضة وقوات النظام مخلّفة مئات الآلاف من الضحايا، ولكن في بداية الـ 2013 ظهر إلى الواجهة مايسمى تنظيم داعش الارهابي ليدخل في الحرب السورية معلناً نفسه منافساً للسيطرة على الأرض.وشهدت الأيام الأخيرة الماضية معارك في منطقة بادية الشام أدت لتقدم تنظيم داعش الارهابي على حساب قوات النظام، وبالخصوص في محيط مدينة تدمر الأثرية حيث تقبع حضارات تاريخية تحت خطر التدمير الآن إما من القصف أو التدمير الجائر.
مدينة تدمر كانت عاصمة الامبراطورية التدمرية التي كانت تمتد على مساحات شاسعة من حدود آسيا الصغرى (تركيا) في الشمال إلى مصر في الجنوب ومن شمال شرق سوريا إلى غرب سوريا والبحر الأبيض المتوسط، وهي تعتبر من أهم وأقدم المدن الأثرية عالمياً لما لها من شهرة ومكانة.
تقع في بادية الشام وسط سوريا وتلقب بأنها “عروس الصحراء”، وكانت فيما مضى من عصور محطة تجارية في غاية الأهمية بين قارتي آسيا وأوربا لأنها تقع على (طريق الحرير). ويذكر أن أبرز الحقب التي ازدهرت فيها المدينة كانت في عصر الملكة زنوبيا والتي عرفت بذكائها وقوتها واللذان كانا السبب في إطلاق عليها لقب (ملكة ملكات الشرق).
أما في العصر الحديث فتكمن أهميتها كمدينة تاريخية، يمكن من خلال دراستها فهم الحضارات القديمة لما تحتويه من مخزون آثار كبير، بالطبع هي أيضاً من أهم الوجهات السياحية عالمياً للمهتمين بالحضارات القديمة.
أي شخص زار تدمر بالتأكيد سيصفها بأنها مذهلة، خصوصاً بعد إكمال الجولة السياحية المعتادة فيها والتنقل بين المعابد القديمة والمسرح التاريخي والمرور بالمدافن والمجالس ذات الأهمية الكبيرة بالإضافة إلى جولة صغيرة بأرجاء المدينة والطريق المستقيم والسوق الأثري واختتام الجولة بمشاهدة الغروب من على القلعة الوافعة على تلة تكشف المدينة باكملها.
ويذكر من المعالم الأثرية فيها:
المعابد (معبد بل (بعل) – معبد نبو – معبد بعلشمين – معبد اللات – معبد يلحمون ومناة)، الحمامات، المسرح، الشارع الطويل (الطريق المستقيم) ، مجلس الشيوخ، الآغورا، المصلّبة (التترابيل) ، معسكر ديوقلسيان، الأعمدة التذكارية، نبع أفقا (الحمام الكبريتي)، الكنائس، هيكل الموتى، قلعة فخر الدين بالإضافة إلى المدافن والتي تقسم إلى ثلاثة أنواع (البرجية – الأرضية – البيتية).
تدمر ليست المنطقة الأثرية الأولى التي تواجه الخطر، فمناطق تاريخية عديدة لحضارات آخرى إضافة لمزارات دينية قديمة إما فُجرت أو تدمرت وعلى أقل التقدير قد تضررت بشكل كبير، من مدينة حلب القديمة بأزقتها وأحيائها وأسواقها إضافة لمتحف التقاليد الشعبية جميعها قد تضرر بحسب جمعية حماية الآثار السورية، بينما أسفر القصف على المسجد الأموي الكبير في حلب إلى تدمير إحدى مآذنه وتضرر أجزاء كبيرة منه.
في حين كان نصيب الدمار لأحياء حمص القديمة بجوامعها -ومنهم جامع خالد بن الوليد- وكنائسها -ومنهم كنيسة أم الزنار- أضرار كبيرة نتيجة القصف أيضاً.
وفي الأماكن التي تقبع تحت سيطرة تنظيم داعش فُجرت العديد من المزارات الدينية والمقامات والأضرحة الصوفية!
خلال جميع الأحداث الدائرة تنشط على جميع المستويات وفي كافة المناطق عمليات التنقيب الجائرة على الآثار حيث بات تنظيم داعش يصدر أوراق تسهيل للتنقيب لأنصاره في المناطق التي تقبع تحت سيطرته لكي لايتعرض حامل هذه الورقة لأي مضايقة من عناصره، وأيضاً في مناطق مختلفة من سوريا يعمل أمراء الحروب وتجار الأزمات على تنشيط تجارة الآثار بالتعاون مع وسطاء في الداخل السوري وبدول الجوار لبيع التحف التاريخية والمخطوطات القديمة وما شابه من كنوز.
وفي سياق آخر نشرت وكالة أنباء الأناضول عن مراسلها بأن السلطات التركية قامت باعتقال أحد مهربي الآثار السوريين في تركيا وبحوزته 168 قطعة آثرية بينها عملات وتماثيل وأختام.
ولكن..
هنالك الآن بحسب إحصاءات الأمم المتحدة أكثر من 190 ألف ضحية قتلوا خلال الحرب في سوريا بالإضافة لملايين المهجرين داخلياً وخارجياً والمحتاجين إلى مساعدات بشكل فوري، لم يتخذ قادة العالم أي تدابير لإنهاء الحرب الدائرة سوى إبدائهم القلق في بعض المراحل أو التصريحات الخلّبية في البعض الآخر، وبالطبع الجميع يتفق على أن حياة البشر أهم من الحجر ولكن فشل العالم بحماية البشر فهل سيتمكن من حماية حجر؟
تحرك فوري…
من دون مماطلة ولا تباطؤ يجب على المنظمات الدولية المعنية بالآثار حمايتها وعلى مجلس الأمن الدولي التدخل بشكل فوري لحماية مدينة تدمر والتي هي تحت قائمة المحميات من قبل اليونيسكو، وحماية أيضاً جميع الآثار وبقايا الحضارات التاريخية والكنوز الثقافية التي تعاني الآن خطر الزوال كما حصل في متحف نينوى بالعراق، أو على الاقل اتخاذ التدابير اللازمة لإبقائها على الوجود.
لقد بدأ نشطاء مستقلون من سوريا ودول أخرى من المهتمين بالقضية السورية بشكل عام والآثار بشكل خاص بالتجهيز لحملة عبر مواقع التواصل الاجتماعي تحت هاشتاغ = #أنقذوا_تدمر – #SavePalmyra كورقة ضغط على أصحاب القرار في العالم، شارك بها وأوصل صوت السوريين إلى العالم.