التقرير الخبري الذي حمل توقيع الصحافي الاسباني، إغناثيو ثيمبريرو، المنشور في صحيفة الموندو، يوم الثلاثاء العاشر من مارس، جدير بالتعليق والانتباه، ربما يشير الى تحول جذري في موقف الصحافي المستغنى عنه من صحيفة الباييس، المحسوبة على اليسار المعتدل، وفيها صنع مجده المهني بل مارس سلطته التحريرية كمرجع، آمر ناه، في الشؤون المغربية، حيث كان كثير التردد على المغرب، يجد الابواب مفتوحة مرحبة به حيثما توجه، باحثا عن خبر او طالبا تصريحا او مقابلة؛ وهي حظوة لا تتاح لغيره بسهولة، مكنته من تحقيق سبق صحافي والانفراد بمعطيات خاصة، يؤثث ويزين بها مقالاته في “الپاييس” التي يتلقفها المتابعون للشأن المغربي، يستعينون بها على فك بعض الغاز سياساته.
وسيكون معيبا، إلصاق تهم بالصحافي الاسباني، ثيمبريرو، والزعم، كما فعل كثيرون، بانه كان مرتبطا بمخابرات بلاده، يوافيها بالتقارير والتحليلات وقراءاته للاوضاع في البلد الذي ارتبط فيه بشبكة علاقات واسعة مع ألوان الطيف السياسي والمجتمعي، ما ساعده على تأليف كتاب عنه.
والواقع انه ليس محرما على الصحافي ان يسلك الطرق الممكنة التي توصله الى مصادر الاخبار. وعلى افتراض ان الضرورة تقتضي منه ان يمارس لعبة غامضة او مقايضة مع الاجهزة الخاصة؛ فإنه لا يلام الصحافي الا حين يزيغ عن مدونة السلوك الاخلاقي ويخل بقواعد المهنة، فيوظف ما حصل عليه من معلومات وبيانات توظيفا غير موضوعي، يوقعه تخت طائلة التدليس والتحامل على الاشخاص والتجني على الحقائق، كونه يسخر قلمه وسمعته والمنبر الذي ينشر فيه، لخدمة أغراض تتنافى مع اخلاقيات المنتسبين للسلطة الرابعة.
ولم يكن، ثيمبريرو، مدرجا ضمن قوائم المغضوب عليهم في المغرب الممنوعين من دخوله. احيانا توجه اليه ملاحظات او تنبيهات باسلوب مهذب، اذا ما احتوت تقاريره على مغالطات او جهل بالحقائق، تترتب عنها مواقف واستنتاجات غير دقيقة، توقع صناع القرار في البلد المجاور، أي إسبانيا، في خطأ التقييم. لكن الاخطر ان المقالات المتحاملة شحنت الراي العام الاسباني ضد المغرب في ظروف عصيبة مرت بها العلاقات بين الرباط ومدريد.
وبطبيعة الحال، يظل حق الصحافي ثابتا، في الدفاع عن نفسه وانه يقوم بواجب التنوير والاخبار. ذلك ما فعله، ثمبريرو، في مناسبات واشكالات عدة؛ لكنه لم يستطع اقناع مشغليه في “الباييس” بسلامة خطه التحريري، فحاصرته الانتقادات من جهات عدة.
وفي هذا الصدد تجهل الاسباب التي حملت ادارة، الپاييس، في خاتمة المطاف على الاستغناء عن خدمات محررها المختص في الشأن المغربي، وإبعاده عن هيئة التحرير وهو الذي كان منتشيا بالسلطة التي يستمدها من انتمائه الى طاقم صحيفة ذائعة الصيت، ولدت مع عودة الديموقراطية الى اسبانيا، عقب رحيل الديكتاتور الفاشي الجنرال فرانكو. يمكن التخمين ان، ثيمبريرو، الواثق من نفسه حد الغرور ونوع من الاستعلاء،خسر موقعه في “الباييس”جراء الفيديو الممجد للارهاب الذي دس في الطبعة الالكترونية للجريدة في شهر سبتمبر 2003 والذي لا يمكن ان يتجرأ محرر على وضع تلك القنبلة بين صفحات جريدة، يقدر قراؤها بالملايين في العالم الناطق بالاسبانية.
احتج المغرب بأعلى الأصوات، ولجأ الى القضاء الاسباني ليتحرى ويدين من ينتهي الى انه مذنب في حق المغرب بل امهل المغرب ادارة الباييس لتقوم بمحاكمتها الداخلية، على اعتبار ان النازلة كانت خطيرة.
لا شك ان القضية انتهت بتوجيه تهمة ارتكاب خطأ مهني جسيم للصحافي، ما تسبب في اثارة بلبلة لدى الراي العام الاسباني والاجنبي وضمنه المغرب؛ فقد تساءل كثيرون في حينها وباستنكار ان كانت،الباييس، المطبوعة العلمانية الرصينة، قد تحولت الى منصة لترويج الاشرطة الجهادية المحرضة على استهداف جارة اسبانيا القريبة في مؤسساتها الدستورية وتهديد الفاعلين السياسيين والنخب الفكرية المغربية!!
اهمية المقال الاخير المنشور،في جريدة “إلموندو “التي انضم اليها الصحافي، تتضح من خلال تبني،ثيمبريرو،لما ورد في التقرير الاوروبي عن تحويل المساعدات الانسانية الموجهة للاجئين الصحراويين، الى جيوب عناصر جبهة البوليساريو، حيث استمرت السرقة المفضوحة مدة خمس سنوات، ضاعت فيها ملايين الدولارات، ما جعل اصواتا في الاتحاد الاوروبي،تطالب باستعادة اموال دافعي الضرائب في الاتحاد.
فضيحة مثل هذه، احدثت ازمة في الضمير الاوروبي، ولطالما حذر المغرب من المتاجرة بالمساعدات الانسانية.
الفضيحة ايقضت الضمير المهني عند الصحافي الاسباني، وولدت عنده الاحساس انه فقد مصداقيته. فهل اعلن التوبة حقا؟
اشارة دالة وردت في مقال، ثيمبريرو. يذكر في مقاله انه اتصل بأحد قياديي البوليساريو (محمد سيداتي) لاستفساره عن ملابسات الفضيحة المدوية، دون ان يرد عليه، بينما كان نفس المسؤول يزعج، ثيمبريرو، بالاتصالات والمكالمات، لتحريضه ضد المغرب وترويج روايات جبهة البوليساريو.
فضيحة تحويل المساعدات واغتناء فئة من الانفصاليين بها والضالعين معهم، فتحت أبواب جهنم على “البوليساريو” فلم يجدوا من يجرؤ على الدفاع عنهم، فالجريمة ثابتة الأركان.