المغاربة المطرودون من الجزائر…دفعوا ضريبة التوتر

يعد ملف المغاربة المطرودون من الجزائر من الملفات الحارقة في العلاقات بين البلدين، والتي لم تخلو من توتر دفع ثمنه عشرات الآلاف من المغاربة الذين طردهم نظام هواري بومدين وحرمهم من ممتلكاتهم واقتلعهم من أرض اعتبروها بلادهم الثانية، ومتسببا كذلك في مأساة إنسانية تمثلت في تشتيت عشرات الآلاف من العائلات.

كانت الجزائر إمعانا في مزيد من التعنت إزاء إيجاد تسوية لهذا الملف العالق لأزيد من 37 سنة، قد فضلت نهج أسلوب وضع العربة أمام الحصان حين سارعت بمطالبة المغرب بدفع أكثر من 20 مليار دولار تقول إنها ممتلكات وحقوق 14 ألف جزائري صادر المغرب ممتلكاتهم سنة 1973 في إطار سياسة المغربة، وذلك ردا على تمسك المغرب بحقوق مواطنيه الـ 350 ألف نسمة (أي 45 ألف عائلة) الذين طردوا من الجزائر عام 1975، وقبلها أدرجت ضمن قانون المالية الجزائري بندا ينص على اعتبار ممتلكات المغاربة المرحلين قسرا من الجزائر ممتلكات متخلى عنها يتعين على المحافظة العقارية الجزائرية التشطيب عليها.
وهو الادعاء الذي اعتبره في حينه الوزير المنتدب لدى وزير الشؤون الخارجية والتعاون يوسف العمراني غير صحيح، مؤكدا أن هذه الفئة لم تتخل عن ممتلكاتها، بل تعرضت للطرد بشكل جماعي وتعسفي.
وتعود القضية إلى 8 دجنبر 1975، والذي صادف يوم عيد الأضحى، حيث تم تجميع المغاربة المقيمين بالجزائر بطرق قانونية، منهم من قضى بها أزيد من 30 سنة، في شاحنات خاصة بالبناء ونقل البهائم والمتلاشيات في ظروف لاإنسانية، تاركين أَضاحي العيد معلقة في أسقف منازلهم، كما تم إرغامهم على ترك ممتلكاتهم وأفراد عائلاتهم من أصول جزائرية. وهو ما تسبب في تشتيت شمل العديد من الأسر وتفريق الآباء عن أبنائهم، نموذج الحاج بوجمعة (سائق الطاكسي المعروف بعين الترك) الذي تم اختطافه أثناء عمله وتهجيره قسرا دون تمكينه من إخبار أبنائه. كما تم تفريق الكثير من الأزواج عن زوجاتهم، وقطعت وسائل الاتصال السلكية واللاسلكية بين المغرب والجزائر، وكانت الاتصالات الهاتفية للمغاربة المطرودين من الجزائر بداخل التراب المغربي بما تبقى من أفراد عائلاتهم لمتابعة أحوال عائلاتهم من أصول جزائرية أو ممن يحملون الجنسية الفرنسية، تتم عبر أفراد عائلاتهم بفرنسا. كانت أجواء الترحيل القسري للمغاربة من الجزائر مؤثرة، وفق شهادات بعض المطرودين لـ «الوطن الآن»، حيث أن تجار المآسي الإنسانية كانوا يتفاوضون ليلا مع المغاربة لبيع تجهيزاتهم المنزلية بأثمان بخسة، كما أن الحملة العنصرية ضد المغاربة لم تخل من مداهمات واقتحامات لبيوتهم بالقوة للسطو على ممتلكاتهم وتجهيزاتهم الثمينة. ويحكي بعض المهجرين قسرا كيف أنهم لم يجدوا بدا من دفن مجوهراتهم ونقودهم بعد علمهم بحملة الطرد من التراب الجزائري، بينما البعض منهم وقع ضحية النصب والاحتيال من طرف السلطات الجزائرية المشرفة على عملية الترحيل.. فقد تم وعدهم بمنحهم تعويضا كمقابل يوازي قيمة المجوهرات والحلي والنقود التي يخبئونها داخل أمتعتهم الخاصة. ويذكر أحد ضحايا الطرد التعسفي من الجزائر، في حديثه لـ «الوطن الآن» كيف أن أحد المطرودين أخرج المجوهرات من داخل الحفاظات (ليكوش)، فتسبب الأمر في شجار مع زوجته، ليتطور إلى توجيه صفعة لشريكة حياته.
وجاء هذا الترحيل كرد فعل من السلطات الجزائرية على تنظيم المغرب للمسيرة الخضراء، التي شارك فيها ما يقرب من 350 ألف مغربي. وقد رد نظام الهواري بومدين بـ «مسيرة سوداء» كان الغرض منها صنع «محن» اجتماعية للملك الراحل الحسن الثاني، حيث وجد الضحايا أنفسهم في مخيمات في حدود المغرب بمدينة وجدة وعمد الراحل الحسن الثاني إلى إعطاء تعليماته من أجل توظيف جزء كبير من المطرودين في السلالم الدنيا في أسلاك الوظيفة، وتم تمكين عدد منهم من منازل تابعة للدولة. لكن رغم ذلك ظلت جراح غائرة تنخر المغاربة المرحلين قسرا من الجزائر الذين هجروا تاركين ديارهم وممتلكاتهم المنقولة والعقارية، والتي تقدر بالملايير. يحدث هذا في ظل تشتت جهود الجمعيات المدافعة عن هذه الفئة الإجتماعية، وفي ظل الأداء الباهت للدبلوماسية المغربية في المحافل الدولية في علاقتها بهذا الملف الإنساني الذي يشكل انتهاكا صارخا للاتفاقيات والأعراف الدولية، وهو الضعف الذي استغلته الجزائر من جهتها، فكثفت جهودها لتضليل الرأي العام الدولي والتعتيم على هذه القضية الإنسانية التي تعتبر وصمة عار في جبين حكام الجزائر من خلال طرح ما سمي بممتلكات الجزائريين، وهو ملف قديم- جديد سبق أن وظفته الجزائر بالتزامن مع عمليات الترحيل القسري للمغاربة من خلال ادعائها بأن المغرب ينفذ ضغوطا على الجزائريين لدفعهم لمغادرة المغرب. أمر كذبته الوقائع على الأرض حيث نفى الجزائريون المقيمون بالمغرب في تصريحات لوسائل الإعلام وجود أية ضغوطات على الجالية الجزائرية وضمنهم الجزائري صاحب شركة «قهوة كوار» الذي صرح بأنه ينعم بالراحة والاطمئنان ولايفكر في مغادرة المغرب.
إن هذه المأساة تجعل من المشروع طرح السؤال التالي: لماذا لا توظف الجمعيات المهتمة بشؤون المطرودين ورقة المطرودين والموجودين بأوروبا والذين يملكون دلائل قوية تدين النظام الجزائري في هذه المأساة الإنسانية في المحافل الأوروبية وخاصة منها البرلمان الأوروبي، وتطوير آليات التواصل والاحتجاج من طرف جمعيات الضحايا داخل وخارج المغرب، كما تفرض هذه المأساة الإنسانية وضع استراتيجية واضحة من طرف الدبلوماسية المغربية في تعاطيها مع الموضوع والابتعاد عن المقاربة المناسباتية وفتح قنوات التواصل مع الجزائر فيما يخص إحصاء ممتلكات المغاربة المطرودين الذين لايستجدون النظام الجزائري بقدر ما يؤمنون بعدالة قضيتهم.

كرونولوجيا الترحيل القسري للمغاربة من الجزائر

– 1963 – 1964: طرد عدد هام من المغاربة والاستيلاء على ممتلكاتهم وتشتيت أسرهم إثر حرب الرمال التي اندلعت بين المغرب والجزائر بعد مناوشات بضواحي تندوف وحاسي بيضة، وانتهت الحرب بوساطة منظمة الوحدة الإفريقية في 20 فبراير 1964.
– 1975: محكمة لاهاي الدولية تسلم بقيام علاقة ارتباط بين المغرب وصحرائه مجسدة في فروض البيعة التي كان أهل الصحراء يقدمونها لملوك المغرب.
– 8 دجنبر 1975: طرد 45 ألف عائلة مغربية (350 ألف مغربي، وهو عدد يوازي في رمزيته عدد متطوعي المسيرة الخضراء) من الجزائر بالتزامن مع عيد الأضحى. وقد أطلقت الجزائر على عملية الترحيل القسري للمغاربة المقيمين بالجزائر «المسيرة الكحلاء» ردا على المسيرة الخضراء التي أطلقها الراحل الحسن الثاني صوب الأقاليم الجنوبية.
– صيف 1975: إرهاصات وبوادر الأزمة بين المغرب والجزائر، حيث كثفت الحكومة الجزائرية حملاتها الدبلوماسية، خصوصا على الصعيد الإفريقي تهيئا للاعتراف بالبوليساريو.
– نونبر 1975: الملك الراحل الحسن الثاني يعلن عن انطلاق المسيرة الخضراء نحو الأقاليم الصحراوية.
– دجنبر 2008: جمعية الدفاع عن المغاربة ضحايا الترحيل التعسفي من الجزائر تتهم مسؤولين جزائريين بارتكاب جرائم في حق الإنسانية، ضحاياها مواطنون مغاربة وفرنسيون وإسبان وإيطاليون ويهود. حيث صرح محمد الهرواشي رئيس الجمعية أن الأمر يتعلق بمقابر جماعية ومذابح ارتكبها مسؤولون جزائريون طيلة سنوات 62 و63 و65 و68 و75، وأن المقابر توجد في مستنقع يسمى السبخة قرب مدينة وهران بلدية السينية، وأن هذه المقابر معروفة عند ساكنة مدينة وهران خاصة كبار السن..
– نونبر 2009: جمعية الدفاع عن المغاربة ضحايا الترحيل التعسفي من الجزائر، توجه نداءها للأمم المتحدة من أجل فتح تحقيق دولي حول الجرائم التي ارتكبها النظام الجزائري ضد المغاربة، ضحايا الطرد التعسفي من الجزائر سنة 1975.
– 2010: الحكومة الجزائرية تأمر المحافظة العقارية الجزائرية بالتشطيب على أسماء ملاك الأراضي العقارية المتخلى عنها. ويتعلق الأمر بممتلكات المغاربة المطرودين من الجزائر المسجلة بأسمائهم في المحافظات العقارية الجزائرية.
– يناير 2010: الفريق الاستقلالي للوحدة والتعادلية بمجلس النواب يطالب باعتذار رسمي للدولة الجزائرية لآلاف الأسر المغربية المرحلة قسرا من الجزائر في ظروف مأساوية عما لحق بهم من أضرار مادية ومعنوية ما زالت آثارها السلبية جاثمة على أسر الضحايا.
– يناير 2012: البرلمان البلجيكي ينتصر لضحايا الترحيل القسري من الجزائر، حيث صادق على مشروع قرار يطالب الأمم المتحدة بتكوين لجنة دولية للتحقيق في جرائم في حق الإنسانية ارتكبتها الحكومة الجزائرية، على خلفية إقدام الرئيس الجزائري الهواري بومدين على طرد 45 ألف عائلة مغربية (350 ألف مغربي) يوم عيد الأضحى عام 1975، في عملية سميت بـ «المسيرة الكحلة» كرد على تنظيم الراحل الحسن الثاني للمسيرة الخضراء.
– 14 نونبر 2012: الجزائر تطالب المغرب بدفع أكثر من 20 مليار دولار تقول إنها ممتلكات وحقوق 14 ألف جزائري صادر المغرب ممتلكاتهم سنة 1973 في إطار سياسة المغربة، وذلك ردا على تمسك المغرب بحقوق مواطنيه الـ 350 ألف الذين طردوا من الجزائر 1975.
– دجنبر 2012: حقوقيون جزائريون يحلون بالمغرب للتحقيق في ملف المغاربة المطرودين من الجزائر والمرحلين قسرا والاستيلاء على أملاكهم. وقال الحاج قاسم، رئيس المرصد الدولي لحقوق الإنسان الجزائري، إنه اطلع على وثائق تثبت ما أكدته جمعيات تمثل هؤلاء المغاربة ومشروعية مطالبهم. مضيفا، أن الوثائق التي اطلع عليها تكذب تصريحات وزارة الخارجية الجزائرية التي نفت أن تكون الجزائر طردت مغاربة واستولت على أملاكهم.

 

اقرأ أيضا

مكسيكو.. مشاركة مغربية في مؤتمر دولي حول حماية البيئة

شارك الأمين العام لحزب الخضر المغربي ورئيس أحزاب الخضر الأفارقة، محمد فارس، مؤخرا بمكسيكو، في مؤتمر دولي حول حماية البيئة.

الجزائر

أليس لجنرالات حكم الجزائر من يُصحِّيهم

إنه إعصارٌ اندلع هُبوبًا على الرُّقعة العربية من هذا العالم، له جذورٌ في “اتفاقيات سايكس بيكو”، ولكنه اشتدَّ مع بداية عشرينات هذا القرن وازداد حدة في غزة، ضد القضية الفلسطينية بتاريخها وجغرافيتها، إلى أن حلَّت عيْنُ الإعصار على سوريا، لتدمير كل مُقوِّمات كيانها. وهو ما تُمارسُه إسرائيل علانية وبكثافة، وسبْق إصرار، نسْفًا للأدوات السيادية العسكرية السورية.

سوريا

سوريا.. تعيينات بالحكومة الجديدة ورسم معالم المؤسسة العسكرية

تواصل إدارة الشؤون السياسية في سوريا، العمل على ترتيب البيت الداخلي للبلاد بعد سقوط بشار الأسد.

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *