مايشهده الشارع المغربي عموما، والشارع في مدينة الحسيمة خصوصا، يطرح سؤالا في العمق، حول مدى قيام الأحزاب السياسية بالدور المسنود إليها، في تأطير المواطنين،وفق أسمى قانون في المملكة،ألا وهو الدستور.
لقد جاء نص الدستور، الذي وافقت عليه كل فئات الشعب المغربي، بعد الاستفتاء عليه،في فاتح يوليو من سنة 2011،صريحا واضحا، ولا التباس فيه،ويحمل التنظيمات السياسية في المملكة،مسؤولية التأطير.
وحسب منطوق الفصل السابع من الوثيقة الدستورية،فإن الأحزاب السياسية، تعمل على تأطير المواطنات والمواطنين،وتكوينهم السياسي وانخراطهم في الحياة الوطنية،وفي تدبير الشأن العام.
وتأسيسا على نفس الفصل من الدستور،فإن هذه التنظيمات السياسية،تساهم في التعبير عن إرادة الناخبين، والمشاركة في ممارسة السلطة،على أساس التعددية والتناوب،بالوسائل الديمقراطية،وفي نطاق المؤسسات الدستورية.
هكذا يتصور الدستور المغربي الأحزاب السياسية فاعلة ومؤثرة سياسيا،ومؤطرة اجتماعيا،إلا أن الواقع المعاش،في ظل الظرفية الراهنة، يؤكد بالملموس أنها تراجعت في أدائها عن الأدوار الموكولة إليها،وأصبحت عاجزة عن التحرك وفق ماتقتضيه المرحلة،بفعل مجموعة من العوامل.
ومن يتابع التطورات الجارية حاليا، في ضوء الحراك بالحسيمة وغيرها،يلاحظ مع كامل الأسف الشديد،أن الأحزاب غائبة أو فاقدة للوعي، ولا تملك أي تصور أو منهجية للدخول في حوار مباشر مع المواطنات والمواطنين للاستماع إلى مطالبهم الاجتماعية،والعمل على بلورتها لتتحول مستقبلا إلى حقائق ملموسة.
إنها تكتفي حاليا بدور المتفرج، من بعيد،وكأن الأمر لايعنيها، ومن صميم مسؤولياتها، تاركة أجهزة الدولة وحدها تباشر معالجة الوضع في الحسيمة، بالطريقة التي تراها مناسبة من أجل تهدئة الأجواء، وإعادة الأمور إلى سياقها الطبيعي.
إن المفروض هو أن تقوم الأحزاب المغربية،بمختلف أطيافها وألوانها واتجاهاتها السياسية، سواء في الأغلبية أوالمعارضة،بضبط وتأطير علاقات الفئات الاجتماعية مع الدولة، ولكنها تبدو خارج الزمن، وكأنها فقدت أي تاثير لها وسط المجتمع، بعد أن انشغلت فقط بتصفية حساباتها الداخلية.
ومن يلقي نظرة خاطفة على المشهد السياسي في البلاد،سوف يكتشف أن أغلبية التنظيمات السياسية، تعيش على وقع الصراعات والاختلافات والتنظيمية،وتكفي هنا الإشارة على سبيل المثال لاالحصر، إلى ثلاثة أحزاب رئيسية في البلاد..
*أولا:حزب الاستقلال،أقدم تنظيم سياسي،لم تعد حروبه الطاحنة خافية على أحد،وقد أصبح “الغادي والبادي” يعرف ما يجري في دهاليز المقر المركزي العام بساحة باب الأحد،وسط العاصمة السياسية، من معارك سياسية في أفق عقد المؤتمر الوطني القادم.
*ثانيا: حزب العدالة والتنمية،تسربت إليه هو الآخر، عدوى الاختلافات، منذ أن تولى الدكتور سعد الدين العثماني،رئاسة الحكومة المغربية حاليا، ولم تسعفه تجربته الطويلة كطبيب نفساني في إخماد جذوة الغضب داخل نفوس بعض الأعضاء، الذين خرجوا للعلن بتصريحات مناوئة له.
*ثالثا: حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية،ظهر خلال مؤتمره الوطني الأخير،بشكل يؤكد بأنه أصبح بالفعل،مهددا بفقدان المكانة التي كانت له سابقا، كقوة وازنة،إذا لم يتدارك الموقف بإصلاح أعطابه التنظيمية.
أحزاب مثل هذه، وغيرها، عاجزة عن ضبط وتأطير أعضائها، كيف يمكن لها أن تقوم بضبط وتأطير المواطنين؟
الأكيد أن المغرب في حاجة ماسة اليوم وأكثر من أي وقت مضى،إلى تجديد نخبه السياسية،لكي تكون قادرة على مواجهات تحديات المرحلة حاليا ومستقبلا.
لقد أثبتت هذه القيادات الحزبية أنها شاخت،وعجزت عن تدبير شؤونها الداخلية،فبالأحرى أن تفكر في كيفية معالجة مشاكل الشأن الوطني العام.
وما يقال عن النخبة السياسية،يمكن قوله أيضا عن النخبة المثقفة في البلاد، وعن بعض مكونات المجتمع المدني، التي لزمت الصمت، وتوارت إلى الخلف، في الوقت الذي كان يتعين عليها فيه أن تقول كلمتها بما يخدم المصلحة العامة للبلاد،ترسيخا للأمن والاستقرار.