بتزامن مع مناقشة الميزانيات الفرعية للقطاعات العمومية في مجلس النواب،الغرفة الأولى للبرلمان،عاد الحديث عن وضع التعليم في المغرب ليتصدر واجهة النقاش، وهو وضع،كما يقر بذلك الجميع،يدعو إلى القلق على مستقبل الأجيال الجديدة،إذا لم يتم تدارك الأمر بتكريس سياسة الإصلاح.
الكل متفق على أن قطاع التعليم، مثله مثل سائر القطاعات الاجتماعية في المملكة، مثل الصحة والتشغيل وغيرهما، في مسيس الحاجة إلى اتخاذ مجموعة من الإجراءات الكفيلة بتلبية حاجيات وطموحات المواطنين.
ويبدو أن محمد حصاد، القادم من وزارة الداخلية إلى وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي، على إلمام واسع بما يعرفه قطاع التعليم عموما من تحديات ومشاكل تعرقل نموه وتطوره، وتجعله عاجزا عن أداء المهمة المسندة إليه في تنشئة أبناء المغرب وتكوينهم وتأهيلهم ليكونوا فعلا صالحين لأنفسهم وبلدهم.
ومن جملة ما أكده الوزير لدى العرض الذي قدمه، أمس الخميس، أمام لجنة التعليم بمجلس النواب،خلال مناقشة مشروع الميزانية المخصصة لهذا القطاع،أن الانقطاع عن الدراسة،أو ما يسمى بالهدر المدرسي،والتكرار نتيجة الرسوب في الامتحانات،مازالت تشكل حتى الآن،أحد المظاهر السلبية التي تلقي بظلالها الرمادية الثقيلة على واقع التدريس في المغرب.
ويضاف إلى هذا كله مشكل الاكتظاظ في الأقسام،الذي لايعني مستويات التعليم الابتدائي والثانوي الإعدادي فقط، بل إنه يمتد ليشمل أيضا الكليات والجامعات بفعل تضاعف أعداد الطلاب في السنوات الأخيرة بنسبة 162 في المائة، حسب كلام الوزير.
ومما يزيد الوضع تعقيدا بشأن الموارد البشرية، هو أن الأرقام التي قدمها حصاد،تفيد أن 300 أستاذ باحث و143 من الأطر الإدارية والتقنية،يستعدون لمغادرة مناصبهم،بعد وصولهم لسن التقاعد، علما أن حجم الخصاص كبير، ويتمثل في الحاجة إلى 1200 أستاذ باحث، وأكثر من ست مائة عنصرا من الأطر الإدارية والتقنية.
وهذه ليست هي أول مرة يجري فيها الحديث تحت قبة مجلس النواب حول الواقع المتردي للتعليم،فلقد سبق للملك محمد السادس،خلال افتتاح إحدى دورات البرلمان، أن نبه إلى “الأزمة المزمنة” التي يعرفها هذا القطاع،” على الرغم من الجهود المتلاحقة التي بذلت طوال أزيد من أربعة عقود لجعل تعليمنا يواكب مرحلة استرجاع الاستقلال ومتطلبات بنائه”.
وبدوره،كان عمر عزيمان،رئيس المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، قد فجر مجموعة من الحقائق المؤلمة حول واقع التعليم في المغرب من خلال استعراض المشاكل ونقط الضعف والاختلالات التي يعانيها، والتي أدت إلى تردي مستوى التحصيل لدى التلاميذ،وحالت دون تحقيق ” المدرسة الوطنية التي ننشدها جميعا”، على حد تعبيره.
أمام هذه المعيقات،بات من اللازم استنفار جهود الجميع،حكومة وبرلمانا، ومجتمعا مدنيا،وفاعلين وشركاء اجتماعيين وخبراء تربويين،من أجل الانكباب على رسم خطوط استراتيجية فعالة للنهوض بالتعليم،وفق رؤية جديدة، بمقاربة تشاركية،تكون محل إجماع كل الأطراف المعنية بالمسألة التربوية في المغرب.