“ظهر المهراز” ليست كومونة باريس أو جبال “تورة بورا”

مرعب، ومفزع هو، ذلك الوصف الذي أطلقه بيان منسوب إلى فصيل طلابي تحوم شكوك حول  مسؤوليته، في مقتل الطالب عبد الرحيم الحسناوي، بجامعة فاس.
ورد في   البيان المذكور والذي تداولته مواقع الكترونية، تشبيه للمركب الجامعي   “ظهر المهراز” بأنه أصبح “قلعة حمراء”. وليس من دلالة أخرى للون الأحمر القاني  في هذا السياق، سوى الدم المسفوح،  جراء  المعارك التي خاضها “طلاب ثوار” لتحرير ذلك الجزء من مدينة طالما وصفت بأنها عاصمة العلم  والمعرفة؛ حج اليها الطلاب  على مدى القرون  الماضية، من شتى  أنحاء المغرب، للنهل من  معرفة الشيوخ والعلماء والفقهاء، كانت لهم كراسي في جامعة القرويين والمدارس  العتيقة التابعة لها.
 الجامعة الدينية العتيدة، مثل الأزهر والقيروان، هي التي أمدت المغرب بمن حافظ على هويته وصان ذاكرته. مركز علم   واجتهاد، انتقض ضد ظلم الغزاة المحتلين، فقاومه الطلاب بما ملكت أيديهم من وسائل المواجهة  السلمية  ضد المحتل الفرنسي؛ لأن دين الإسلام ينهى عن القتل.
أي تطور بل أي مسخ، هذا الذي حول “ظهر المهراز”  إلى ساحة للوغى والاقتتال  بين طلاب  أرسلهم أولياء  أمورهم لامتلاك  نور  المعرفة؟ ينفقون عليهم من قلة ذات اليد، ليعودوا إليهم  في قراهم ومداشرهم  وواحاتهم،  حاملين شهادات تخرجهم، يتباهون بها بين الأقران،ستفتح لهم ولذويهم،  سبل عيش أفضل.
 لم يبعث الآباء أبناءهم،للتدرب  على  فنون وأساليب القتال، وحرب عصابات  المدن أو لينخرطوا  في فصائل ومليشيات  متناحرة؛ كأننا في بلد تنخره  حرب اهلية ضروس، جرى اقتسام اشلائه  بين  أمراء “الطوائف  الثورية”،
أي علم واية معرفة ستلقن لطلاب  محاصرين، بإرهاب فكري  على مدى السنة الجامعية؛ تمارسه كمشة   صغيرة من  الغلاة الموتورين، وكيف يسكت الاساتذة  ونقابتهم عن هذه الأجواء الاكاديمية العليلة؟
سيقول قائل إنها  ضريبة الحرية  والجامعة هي الفضاء الأفضل للتدرب عليها، لمقارعة  الأفكار ببعضها وتباين  الرؤي، فيختار الطلاب السير وفق “النهج” الفكري الذي يرتضونه والتعاطي  الحر مع الاتجاهات  الفكرية  المتواجدة في الساحة الطلابية.
 إن ما وقع في الأسابيع الماضية، من ازهاق متعمد لنفس حرم الله قتلها، ليس مؤشرا منذرا  فقط على فقدان العقل والصواب، بقدر ما هو سؤال قوي موجه للمجتمع برمته،بكل مكوناته  ونخبه الفكرية  والمذهبية  ومنظماته  الحقوقية السياسية والنقابية ونسيجه الجمعوي.
كيف يسمح بهذا؟ كان من المفترض أن ينتقض الرأي العام  بقوة أكبر  ضد هذا الانجراف  الخطير نحو هاوية العنف الأعمى.
إن أي  تقاعس من  الأطراف  عن الإدانة  وتبرير القتل تحت أي مسوغ، لمن شأنه أن يخلق سوابق خطيرة. ذلك إن  شرارة ظهر المهراز،  يمكن أن تنتقل عدواها إلى أي  مكان آخر، تتوفر  فيه التربة المواتية. ليس ضروريا أن يسمى حرما جامعيا أو ساحة مدرسة عليا.
ومن المحزن حقا أن الجامعات، وهي أوراش تكوين  وإعداد أطر المستقبل للنهوض  بالمغرب، تحولت إلى معسكرات  ومراكز تجنيد وتجييش، يتم فيها القتل  على الهوية الإيديولوجية.
أولائك  الطلاب   المتمرسون، الرابضون  في قواعدهم وخنادقهم، بـ “القلعة الحمراء” بظهر المهراز، مدججين  ببنادق الحقد الكراهية وضيق الفكر  والأفق، مهما تكن الجهة التي تحضنهم وينتسبون اليها، عليهم أن يدركوا أن العالم  ثار  على نفسه  ودخل  منذ أكثر من عقد،في القرن الواحد والعشرين. عهد انتصر فيه العلم وقهرت فيه التكنولوجيا، المعتقدات والأوهام الإيديولوجية التي  ربما  أدت دورها التاريخي النسبي في وقت ما، لكن  الاتباع المتعصبين حولوها  إلى “دوغمائية” تشرع سفك الدماء.
ليست “ظهر المهراز”، كومونة باريس ولا تشبهها في شيء كما يتوهم  معتنقو الماركسية القاعدية، المحرفة عن مقاصدها، مثلما ليست تلك الربوع  من فاس، جبال “تورا بورا”  الأفغانية حيث يتوهم  “المجاهدون” ضد اوطانهم، أن تخليص  العالم  من الشرور سيتم على أيديهم.
بئس هؤلاء  واولائك، فقد حولوا جامعات إلى مراكز اعتقال لطلاب، يطمحون إلى امتلاك العلم، وليس امتشاق  أسلحة الإيديولوجيا الفاسدة.

اقرأ أيضا

الممارسة الجنسية في الفضاء العام

لا لاستغلال قضية “بنحماد- النجار” من أجل شرعنة الممارسة الجنسية في الفضاء العام!!

تتعالى أصوات بعض الجمعيات الحقوقية، تحت ستار الدفاع عن الحرية الشخصية في قضية "بنحماد- النجار" من أجل تجديد المطالبة بإلغاء تجريم الممارسة الجنسية في الفضاء العام مدخلا لتعديل قوانين مماثلة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *