لم تستطع مهنة المحاماة، ولا لغتها القانونية الصارمة والجافة، من كبح جماح روحها الشعرية المتوثبة التي تنساب متدفقة شفيفة في قلب القارئ.
وحسب مراسلة تلقى موقع ” مشاهد 24″ نسخة منها، فإن سميرة فرجي، بعد باكورتها الأولى: صرخة “حارك” الصادرة سنة 2010، ومجموعتها الشعرية الثانية “رسائل النار والماء” التي أصدرتها سنة 2013، عن مطبعة المعارف الجديدة بالرباط دائما، صدر لها ديوان شعري الثالث عن نفس الدار سنة 2015، موسوم بعنوان “مواويل الشجن” في طبعة جميلة من 180 صفحة من القطع المتوسط، تتوزعها 21 قصيدة حسب الترتيب التالي: موال الشجن، لن أخطو الخطوة الأولى، طيف، سأشهد جهرا بأني لك، رسالة من الحدود، مكابرة امرأة، وجع الحنين، في حضرة الوله، يا ليتني.. !، على وتر الجنون !، على ماذا العتاب؟، قل أي شيء !، قال الطبيب، تفارقني وأرضى بالفراق، أخاف… !، لن أعود… !، ما السر…؟ !، ما قاله… !، موال الروح، الوصايا العشر أرجع… !.
هكذا، تضيف المراسلة، تستمر الشاعرة وفية لنَفَسها الشعري العمودي، في اجتراح إبداعها نصوصا منسابة بين دفتي الكتاب، تغري بالقراءة والتورط بين أمواج الشجن والحنين المتلاطمة. ترفع تحدي الإبداع من داخل النظم العمودي الذي يرى شعراء الحداثة أنه استنفد إمكانياته عبر قرون من الكتابة على نمطه، حتى أصبح منمطا لا إبداع فيه ولا روح، لكن الشاعرة تريد من خلال ديوانها الجديد إثبات العكس للتأكيد على أنها قادرة على الإبداع من داخل هذا النمط الكلاسيكي، متسلحة بالخبرة التي راكمتها في الديوانيين السابقين وبالروح الشعرية التي تتحرك في دواخلها.
تفتتح سميرة الفرجي ديوانها الثالث بقصيدة “موال الشجن” المفعمة بالحنين والبكاء على أطلال الذاكرة ومخاطبة البحر (توأمها):
سمِعَتْكَ يا بحرَ الأسى أشجاني/تشكو جراحا حرُّها أضناني
إني أراكَ بعينِ قلبي باكيا/وكأنني لماَّ أراكَ أراني
حتى كأنك من كياني نابعٌ/متدفق الصبوات والأشجانِ
المدُّ مدي وانسيابك من دمي/والجزْرُ جزري والمكانُ مكاني
فكأنني بلسان موجكَ أشتكي/وكأن موجَكَ يشتكي بلساني
إني نثرتُ على رمالك لوعتي/حتى ترى من تحتها بركاني
أتراك يا بحر المواجع توأمي/في رحلتي أم أنت قلبي الثاني؟
ما سر هذا النبض في صدري أنا؟/خفقانك الجياشُ أم خفقاني؟ !
ولقد أتيتك والفؤاد معذبٌ/أبكي على من غادروا أوطاني
ابكي على عهد الصبا في حرقة/قد مر لمَّاحا كبعضِ ثوانِ
ابكي ديارا قد تَفرقَ أهلها/فتجمعتْ في رسمها أحزاني
أبكي على مدن توارى طعمها/ودَّعتُ بين دروبها إنساني
أبكي على الزمن الجميل وأهلهِ/أبكي على الأحباب والخلانِ
من صرتُ بعد رحيلهم أحيا بلا/وطنِ ولا صَحبِ ولا عنوانِ
قد هزني وجع الحنين فلم أعُدْ/أقوى على صبر ولا سلوانِ