الإرهاب وحقوق الإنسان

اجتذب موضوع الإرهاب درجة كبيرة من الاهتمام سواء على المستوى المحلي أو الإقليمي أو الدولي وذلك نظرا لما يمثله من أخطار وتهديد للاستقرار السياسي ولما ينطوي عليه من خطر إشعال الفوضى، فضلا عما يمثله من تهديد للحياة الطبيعية للمواطنين في الدول التي تعاني منه ويثير ذلك التساؤل حول استراتيجيات وأدوات مكافحة الإرهاب ومدى انعكاسها
على قضية حقوق الإنسان، وهل تتطلب عملية مكافحة الإرهاب بالضرورة انتهاك حقوق الإنسان أو تقييدها؟ وهل توجد بالضرورة علاقة تناقض بين مكافحة الإرهاب من جانب وبين الحفاظ على حقوق الإنسان من جانب آخر؟ أم توجد صيغة سياسية وقانونية تكفل الحفاظ على حقوق الإنسان رغم اتخاذ خطوات وسياسات جادة لمكافحة الإرهاب، ويمكن في هذا الإطار الإشارة إلى الملاحظات التالية:
أولا: تنامي واتساع ظاهرة الإرهاب في العالم في السنوات الأخيرة بحيث لم يعد الإرهاب يفرق بين دولة متقدمة ودولة نامية، بل وامتد الإرهاب إلى بعض الدول التي لم تكن تألف هذه الظاهرة أو على الأقل لا تألفها بشكل حاد من قبل مثل مصر وليبيا وسوريا واليمن وغيرها، كما أن الإرهاب لا يفرق بين نظم ديمقراطية كالولايات المتحدة على سبيل المثال أو نظم سلطوية، وربما تنبع خطورة الإرهاب من كونه يعتمد على العشوائية بمعنى أنه من غير المعروف أين سيوجه الإرهاب ضرباته أو إلى من ستوجه هذه الضربات أو متى ستوجه الضربات الإرهابية، وبمعنى آخر فإن الجهل بالمكان والزمان والهدف الذي ستوجه إليه الضربات الإرهابية هو الذي يعطي للإرهاب تأثيره والذي يفوق بكثير قدراته الفعلية بالمقارنة بقدرات الدولة التي تتعرض للإرهاب، كذلك يمكن الإشارة إلى عامل آخر يمكن أن يساعد على زيادة التأثير النفسي للإرهاب وهو دور وسائل الإعلام في تضخيم الحدث الإرهابي مما قد يعطي الإرهاب وزنا أكثر من حجمه الحقيقي، ولعل هذا ما يهدف إليه الإرهاب، فالأحداث الإرهابية تستهدف إحداث التأثير النفسي أي تخويف وترويع المواطنين، وتسعى على المدى الطويل إلى اعاقة مؤسسات الدولة عن أداء أعمالها، وحرمان المواطنين من ممارسة حياتهم اليومية، ولعل الهدف البعيد للإرهاب من ذلك هو نشر الفوضى داخل الدولة وتهديد الاستقرار السياسي.
ثانيا: أثر الإرهاب على حقوق الإنسان، حيث يقصد بالحقوق الإنسانية تلك الحقوق المرتبطة بالإنسان بمقتضى كونه انسانا والتي كان يطلق عليها في الفكر السياسي الحقوق الطبيعية والتي تتمثل أساسا في حق الحياة وما يتفرع عنه من حقوق انسانية مثل حق التنقل، وحق الاعتقاد، وحق الاجتماع، وحق التظاهر، وحرمة الحياة الخاصة، وحرية الرأي والفكر وغيرها من الحقوق التي تتفرع عن حق الحياة، وهذه الحقوق تضمنتها الدساتير والقوانين في الدول المختلفة وهذا ما انطوى عليه الدستور المصري في تعديله الجديد في الباب الثالث وهو بعنوان الحقوق والحريات والواجبات العامة والذي يتكون من أكثر من أربعين مادة مما يعني مدى الاهتمام الذي أولاه الدستور المصري لحقوق الإنسان والحفاظ عليها والحفاظ على حرية الإنسان وكرامته وحمايته من التعذيب وحياته الخاصة وغيرها من الحقوق والتي تتفرع عن الحق الأصلي من الحقوق الإنسانية وهو حق الحياة، ولذلك فإن خطورة الإرهاب تتمثل في تهديده للحق الإنساني الأصلي وهو حق الحياة نظرا لما ينطوي عليه العمل الإرهابي من أعمال عنف ممنهج موجه ضد المواطنين أو ضد رجال الأمن أو رجال القوات المسلحة مما يمثل تهديدا أو اعتداء على حق الحياة وهو ما يتطلب اتخاذ الإجراءات المناسبة لمواجهة الأعمال الإرهابية وتخفيضها والقضاء عليها، وهو ما يثير التساؤل حول كيفية الحفاظ على حقوق الإنسان في الوقت الذي تتم فيه مواجهة الأعمال الإرهابية، ويثير البعض التساؤل حول امكانية وجود تعارض بين حقوق الإنسان من جانب ومواجهة الإرهاب بحسم وقوة من جانب آخر.
ثالثا: التوازن بين حقوق الإنسان وحقوق الوطن، يتطلب الأمر في جميع الأحوال الحفاظ على التوازن المطلوب بين حقوق الإنسان وحقوق الوطن، فإذا كان من الحقوق السياسية الأساسية للأفراد حق الاجتماع وما يتفرع عنه من حقوق مثل حق الإضراب وحق التظاهر وحق التنقل التي يكفلها الدستور إلا أن هذه الحقوق لابد أن تكون في إطار الضوابط التنظيمية التي يفرضها القانون، فالحق لا يفهم إلا في إطار واجب ومسئولية، فالقوانين التي تمنح الأفراد حق التظاهر تفرض في نفس الوقت أن يكون هذا التظاهر سلميا، ومعنى ذلك أن خروج التظاهرات عن نطاق السلمية سواء من خلال استخدام أسلحة نارية أو بيضاء أو تعطيل لمؤسسات الدولة أو تهديد حياة الآخرين يؤدي إلى التحول من حق التظاهر السلمي الذي يكفله القانون إلى ممارسة أعمال ارهابية ولذلك  فإن التدخل من السلطة لتطبيق القانون لا يعبر في هذه الحالة عن انتهاك لحقوق الإنسان بل هو حفاظا على حقوق الوطن، فإذا كان للمواطن حقوق على النحو المشار إليه فإن للوطن حقوقه أيضا والمتمثلة في الحفاظ على الاستقرار السياسي وعلى الأمن وعلى حياة المواطنين، فالحرية ليست مطلقة بل إن حرية كل شخص تنتهي عندما تبدأ حريات الآخرين، وأن الضوابط التي يضعها القانون لا تلغي الحق بل تنظمه وخاصة إن ذلك يطبق في أكثر الدول ديمقراطية كالولايات المتحدة، والمطلوب في جميع الأحوال أن تكون النظرة متكاملة فلا توجد حرية مطلقة، ولا يوجد حق إلا ويقابله واجب وهذا ما نأمل أن يتفهمه الجميع حتى يتحقق التوازن المنشود بين حقوق الإنسان وحقوق الوطن.
“الوفد” المصري

اقرأ أيضا

الصحراء المغربية

منزلقات تأويل موقف روسيا من المينورسو

أثار التصويت على قرار مجلس الأمن الدولي بخصوص التمديد لبعثة المينورسو جدلا كبيرا في مختلف …

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *