تقرير خطير ذلك الذي نشره الدرك الوطني في الجزائر حول واقع الاحتجاجات الاجتماعية، داقا ناقوس الخطر من الارتفاع المقلق لهذه الاحتجاجات. التقرير رصد خلال الثلاثية الثانية من هذا العام تزايدا في احتجاجات الجبهة الاجتماعية المرتبطة أساسا “بالصعوبات التي تواجه المواطنين في الحصول على مناصب شغل، السكن، التزود بالمياه الصالحة للشرب، الربط بخطوط الكهرباء، وتحسين ظروف المعيشة بصفة عامة”، وهي الاحتجاجات التي تأخذ شكل التجمع عبر الطرقات والشوارع، أو شن الإضرابات. ترجمة هذه الاحتجاجات تتضح أكثر ضمن خانة ما يسميه الدرك “الحوادث التي تمس الأمن العام”، والتي يرصد تقريره تسجيل قرابة 430 حادثة خلال نفس الفترة، بمعدل أزيد من 5 احتجاجات في اليوم الواحد، على امتداد ولايات الجزائر.
احتجاجات مرشحة لمزيد من التصعيد مع قرب موعد الدخول الاجتماعي خلال أقل من شهر، حيث تحشد النقابات قواها من أجل إسقاط قرار الحكومة القاضي بإلغاء التقاعد النسبي، وباقي أشكال التقاعد غير المرتبط بالسن، زيادة على معركة إسقاط مخططات وزيرة التربية الوطنية نورية بن غبريط الرامية إلى “فرنسة التعليم بالجزائر“، ناهيك عن مواجهة باقي القرارات التي استهدفت فيها الحكومة النقابات وعموم الطبقة العاملة بإجراءات تقشف صارمة، صبت مزيدا من الزيت على نار الاحتجاجات القائمة.
الأداء الضعيف للاقتصاد الجزائري المعتمد برمته على موارد الصادرات النفطية المتهاوية باستمرار، والذي تزيد من تدهوره حالة الدينار الجزائري الذي فقد قرابة 40 بالمائة من قيمته خلال الأعوام الستة الماضية، ناهيك عن ارتفاع الدولار الأميركي أمامه بنسبة تجاوزت 20 بالمائة خلال الشهور القليلة الماضية، وما ترتب على ذلك من ارتفاع مهول لمختلف السلع والخدمات المقدمة للمواطنين، بتأثير ارتفاع فاتورة الاستيراد الدولية، والنقل المحلية، وما بينهما، يقدم أسبابا إضافية للغضب الشعبي من إجراءات الحكومة التقشفية التي يرى المواطنون أنها تستهدف محدودي الدخل دون غيرهم، مقابل إغداق المزايا والحوافز على رجال الأعمال بحجة “تشجيع القطاع الخاص وتحفيز التشغيل وتهيئة الظروف المناسبة لجلب الاستثمارات الخارجية”.
هذه الصورة الشائكة وإن بدت منطقية بسبب ما تشهده أسعار النفط العالمي من تدهور، والارتجال الذي أدارت به الحكومات الجزائرية المتعاقبة اقتصاد بلادها ذا المورد الوحيد، يمكن أن تشكل فرصة –كما يرى البعض- من أجل تفجير الشارع استباقا لما يعتقدونه “تغييرا جذريا حاسما للأوضاع السياسية الجزائرية برمتها، توشك قيادة الجيش على القيام به” من أجل إنهاء حالة الشلل التي تسود الجزائر على مختلف المستويات، مستفيدة من وجود رئيس عاجز، معارضة فاقدة للمصداقية الشعبية، وبلد مكشوف امام النفوذ الفرنسي والأمركي، ناهيك عن انسداد الأفق وانعدام الإجابات بالنسبة لعموم المواطنين. هذا التفجير إن تم، فسيهدف إلى جر الجيش إلى مواجهة مباشرة مع الشارع في محاولة لضبطه، وذلك في محاولة لتوريطه ومساومته لاحقا على “تسوية ما” تحفظ مصالح مختلف من اعتادوا على الامساك بمفاصل النظام منذ استقلال الجزائر. لكن هذه قصة أخرى ربما اقترب موعد طرحها، بالموازاة مع الترقب الذي يحيط بالخطوة المقبلة التي طال انتظارها لقيادة الجيش. انتظار لا يبدو أن أمده سيتعطل بدوره عن موعد الدخول الجتماعي المقبل، الأمر الذي يجعل هذا الصيف والخريف الذي يليه، موسمين مرشحين للكثير من الحرارة والإثارة، التي يؤمل أن تخرج منها الجزائر، دولة ومواطنين، بأقل قدر من الخسارة وأكبر قدر من التماسك!