إذا كان من وصف جامع لخطاب العرش السابع عشر الذي يلقيه الملك محمد السادس على مسامع أبناء شعبه، فهو كونه خطاب “تحميل المسؤوليات”. فهم الملك العميق لدوره السياسي، كملك للبلاد، والروحي، كأمير للمؤمنين، طوق المغاربة عنقه ببيعتهم، يجعله يتخذ من مناسبة عيد العرش تحديدا، وغيرها من المناسبات التي يخاطب فيها المغاربة، مناسبة لإيضاح رؤاه، وضع المواطنين والفاعلين السياسيين والاقتصاديين أمام مسؤولياتهم، تحديد أولويات العمل خلال الفترة المقبلة، وتقييم ما تم منه خلال عام مضى، وهي معاني كانت حاضرة بقوة في خطاب عيد العرش 2016.
المواطنون الذين يضعهم الملك على رأس سلم أولوياته، كان لهم نصيب الأسد في الخطاب، ليس لجهة التأكيد على ضرورة رعاية مصالحهم والرقي بأوضاعهم من قبل الحكومة فحسب، ولكن لجهة وضعهم أمام مسؤولياتهم العديدة التي يجب أن يضطلعوا بها: مسؤولية تحكيم ضمائرهم عند اختيار الأصلح الذي سيحملونه مسؤولية التشريع نيابة عنهم للسنوات الخمس المقبلة، مسؤولية اليقظة ولعب دور أساسي في تدعيم الأمن الذي تنعم به بلادهم ومعاونة الجهات الأمنية المختصة في مهامها، مسؤولية الانخراط الفاعل في الأوراش الاقتصادية المفتوحة في عرض البلاد وطولها، ومسؤولية التمثيل المشرف لبلادهم في الخارج والدفاع عن قضايا الوطنية أينما كانوا.
الحكومة بدورها كان طبيعيا أن تنال نصيبها من تحمل المسؤولية، لاسيما وأنها الجهاز المنوط به أمانة إدارة الشأن العام، ولديها من الموارد والتشريعات والقوة ما يؤهلها للعب هذا الدور. وهنا، فمسؤوليتها عن محاربة الفساد بجميع أشكاله كانت على رأس قائمة المسؤوليات لما لها من تأثير مباشر على حياة المواطنين، وسمعة البلاد وجاذبيتها الاستثمارية. مطلب آخر مباشر لا يمكن فصله عما سبق، وهو المتعلق بمطالبتها من قبل عاهل البلاد بأن تسهر على توفير جميع الموارد المالية والبشرية للأجهزة الأمنية اللازمة لقيامها بمهامها في محاربة الإرهاب وحفظ الاستقرار والأمن الذي تنعم به البلاد والعباد، كاستثناء عربي بل وحتى دولي.
أما الأحزاب، وبمناسبة اقترابها من خوض الانتخابات التشريعية بعد أزيد قليلا من شهرين، فقد ابتدأ الملك محمد السادس خطابه بها، مشددا على ضرورة اعتمادها خطابا متزنا لا ينسيها مسؤوليتها الوطنية، واختيار مرشحين يتمتعون بالكفاءة والنزاهة، وخوض تنافس انتخابي شريف يعتمد على البرامج لا الشعارات العامة.
النهوض بالشأن الاقتصادي للبلاد كان المسؤولية التي طلب العاهل المغربي حملها بالتشارك بين الفاعلين الاقتصاديين في القطاعين العام والخاص، من أجل تقريب لحظة دخول المغرب في عداد القوى الاقتصادية الصاعدة قاريا ودوليا، في نموذج اقتصادي متوازن، يراعي الأبعاد البيئية، وينعكس إيجابا على المستوى المعيشي للمواطنين. وهنا يشكل الملك محمد السادس حالة فريدة، بتأكيده أن الأولوية هي لإحساس وتمتع المواطنين بثمار هذا التقدم الاقتصادي الذي تعيشه بلادهم، وليس المؤشرات والأرقام التي يجتهد الخبراء والمسؤولون في تسطيرها وشرحها والدفاع عنها.
إن الرسائل السابقة، والحرص الذي يبديه الملك محمد السادس على توازن السلطات والمسؤوليات، وعدم طغيان جهة على أخرى، والمكانة التي يحتلها المواطنون في خططه ورؤاه وحركته وأفعاله، وفهمه العميق لما يجب أن تعنيه وتكون عليه “ممارسة السلطة” في بلاده، كلها أشياء، من بين أخرى، تمنح لهذا النموذج المغربي في الحكم، وللجالس على العرش أساسا، كل الحق في الحديث عن “استثناء مغربي حقيقي” عن الفوضى التي تعيشها مختلف الدول العربية، سواء منها تلك التي تعاني الاضطرابات أو تنعم بهدوء ظاهري. استثناء سيستمر بعون الله مع الحرص الذي يبديه الجميع على حماية وصيانة وتطوير هذه التجربة، كل من موقعه وحسب إمكاناته.