… وفي لحظة رأيت الطفلة وعيناه مركزتان على الببغاء ريكو وهي تقوم بشرب الماء تماما كما يفعل ريكو اذن كان تحليلي وتوقعي في محله فالطفلة ارتبطت بريكو بشكل غريب ربما لإهمال والديها لها وانشغالهم بالعمل وجمع الدراهم فلم تجد بديلا لذالك الاهتمام والحنان سوى في اللعب مع الببغاء والأنس به والتعلق بوجوده الى حد المرض عند غيابه… اطلقت الأم زغرودة بلا ارادتها وهي تصلي على الرسول< ص> وتكبر وتقول التسليم أسي بو صنطيحة هاهي زوجة هذا الدب تكرر على مسامعي هذا اللقب السخيف تابعت وهي تقول لو علمنا ان ابنتنا ستتحسن على يديك لما تركناك ترحل من عندنا وانت غاضب عنا نظر الي الاب بخجل وهو يقول كل مال العالم لا يساوي ابتسامة واحدة من ابنتي نظرت اليه معاتبا وانا اقول له ليس المال وتوفير الاكل والملابس والالعاب هو كل شيء في حياة الطفل في هذا السن فالطفل يحتاج الى حضن امه الدافئ والى حنان وحماية أبيه الطفلة لم تجد فيكم هذا الدفئ والحنان فتعلقت بكل جوارحها بالببغاء ريكو واصبح هو الملجأ الوحيد لها والمتنفس الذي تلهو وتلعب وتتسلى معه…
نظرت اليهما لأجد مدى تأثير كلامي على هذين الوالدين الغبيين فوجدت افواها مفتوحة ببلادة وعيون مفتوحة غير مصدقة وحال لسانها يقول هاد الببغاء المكلخ ديرو بنتنا فبلاصتنا والعجب هذا فرميت المعلومة التي ستزلزل برودهما وجفائهما وتجعلهم يعيدون التفكير في علاقتهما مع ابنتهم الوحيدة هل تعلمون لو اصاب الببغاء ريكو مكروه وقدر الله ومات…! شهقت الام بفزع رغما عنها وبدأ الاب يسعل بشدة كأن شيء احتبس في حلقه وهو يتمم بصعوبة ماذا كان سيقع السي شريف اخبرنا بالله عليك اجبته وانا اضغط على كل حرف اخرجه من فمي حتى يقع في اذانهم وفي عقولهم وبالخصوص في قلوبهم الوقع والأثر الذي انشده كانت ابنتكم ستموت هي الاخرى وتذبل قبل ان تتفتح اوراقها اطلقت الام صرخة مدوية وهي تؤنب زوجها ونفسها “شتي بقينا مدينها فالخدمة والفلوس حتى كنا غنقتلو البنت لكنكسابو الله ياربي يا سيدي كانت بنتي غتمشي وتخليني وكيندير نعيش بلا بها في هذه اللحظة أحنى الأب راسه الى الاسفل وهو ينظر لي بنظرة منكسرة ويقول جميلك هذا لن انساه طوال حياتي وسنغير معاملتنا لها وسنكون والدين صالحين أعدك…
نظرت له نظرة بلا معنى وانا اقول دعنا الان نطعمهما قليلا قبل ان اكمل عملي وافعل مثلما تراني افعل مع ريكو ولا تحجب البتول من رؤية ريكوا ابدا بدأت اطعم الببغاء الذي كان يأكل بصعوبة وببطئ شديد ولكن الاهم عندي هو ان تخطى مرحلة الاضراب عن الطعام والماء وبدأ يتجاوب معي ويأكل ويشرب الشيء الذي انعكس بالإيجاب على البتول وبدأت بدورها في الاستجابة للماء والطعام وعيناها مركزتان على ريكو وتحركاته لذلك هناك برنامج طويل على الأباء إتخاذه حتى يمكنهم من جعل الفتاة تتخلى عن هذه العلاقة المقدسة بريكو وهذا الامر ليس لصعب بل يحتاج للصبر والمثابرة والحب والحنان والاهتمام…
الساعة تشير إلى قروب منتصف الليل وبعدما شرب وأكل ريكو والطفلة استسلما لنوم عميق فأراد الاب ان يبدأ في حماقاته معي فقلت له بهمس ليس هنا دعنا نتركهم ينامون الان ولنكمل حديثنا في الخارج خرجنا من غرفة الطفلة واغلقت الام الباب برفق على ابنتها فأراد الاب ان يقبل يدي وهو يقول أنا تراب درجليك أسي شريف آمر وأنا نفد واضافت الأم وهي بدورها تحاول تقبيل يدي وانا اسحبها باستحياء كعادتي “شوف اسيدي شرط علينا لبغيتي شفتي نبيع الدار لي فمراكش والبرطمة لي فجديدة و….قاطعها زوجها وهو ينظر اليها معاتبا على تصريحها بالممتلكات هذا الغير متوقع وقال لي “شوف أشريف نت غير طلب وحنا موجودين المهم هو بنتنا تبقى لينا” نظرت إليه بمكر وانا أقول له أين كان كل هذا المال مخبئا اسي المدير المهم لن آخد الان اي شيء مازال عندي عمل مهم يجب ان اقوم به فإن تركناهما على هذه الحالة يمكن ان يعود لهما السحر والتابعة لهذا يجب علي ان اتم عملي وغدا سأعاود لكما الزيارة موعدنا في الظهيرة رد علي المدير وهو يقول دعني اوصلك الى منزلك فلن تجد “الطاكسيات” في هذا الوقت من الليل فكرت قليلا وقلت له لا مانع عندي هيا تفضل…
في صباح اليوم الموالي استيقظت باكرا لأتم العمل الذي بدأته البارحة وانا من النوع الذي لا يؤجل عمل اليوم إلى الغد ولا احب أن اترك شيئا للصدفة أو المفاجآت كان علي أن اجد أنثى جميلة الشكل رشيقة القوام عذبة الصوت وصغيرة نسبيا في السن تجعل من يراها يتمنى لو انها بين يديه تغني له ومن يسمع صوتها يعشقها بجنون لا لا لا… لا ابحث عن زوجة لي او لأخي دوبل طيط الصغير بل ابحث عن زوجة للبغاء ريكو فهي الحل الوحيد الذي سيجعل دماء الحياة والحيوية تجري في عروقه وتبعث الدفئ والحنان بين جوانحه فمن الصعب ان تمر فترات التزاوج على هذا الببغاء المسكين وهو وحيد في القفص فمثل هذا الحرمان والنقص في الحنان يؤدي الى الاكتئاب ليس عند الطيور فقط بل عند جميع الكائنات…
توجهت إلى محل للطيور الذي اتعامل معه بشكل غير دائم كلما احتجت طائرا جديدا و انثى طير التجأت اليه وصلت عنده وانا ادعو ان اجد عنده انثى ببغاء الكاسكو فريكو من فصيلة ببغاء الكاسكو التي تمتاز بالذكاء الحاد وتقليدها للاصوات ومن ضمنها اصوات البشر باتقان وهي محببة وسهلة المعشر وصلت للمحل… السلام عليكم “كيداير اخويا بخير واش عندك شي نثى ديال الكاسكو ؟” نظر الي صاحب المحل وتهللت اساريره وهو يقول “اهلا السي شريف عندنا زارتنا البركة الى ماكيناش نحضروها نت غير آمر” اجبته وانا محرج هذا هو المضمون فيك اخويا الله يفتح ليك… التفت داخل المحل وهو يتفحص الاقفاص العديدة المتراصة عنده وتوقف عند أحدها وهو يقول “عندك ازهر أمولاي هاهما جوج نتيوات بقاو عندي أو ديال الكاسكو اطلت رقبتي لأرى ما يوجد بالداخل فعاتبت نفسي على حركتي السخيفة” و سألته “أيمكن ان اراهما من فضلك” اجابني صاحب المحل باحترام انا والطيور والمحل تحت امرتك يا سيدي فقط اشر انت بأصبعك واترك الباقي علينا…
شعرت بالرعب الحقيقي من داخلي فهاهم الناس يعظمونني ويبجلونني ويوروني وجههم الطيب وعندما تدور علي الدنيا وتعطيني ظهرها ويرحل عني الحظ كيف سأتحمل جفائهم وسخريتهم وتحقيرهم بل كيف يمكنني الخروج لمواجهتهم والعيش وسطهم طردت من نفسي هذه الافكار السلبية وهذه الطاقة السوداء ونظرت الى صاحب المحل وهو يقدم لي ببغاوات الكاسكو ويقول لي باسما هذه التي امامك اسمها روما والثانية اثينا انظر وتفحص واختر ما تشاء يا سيدي تفحصت الببغاوات واعجبني شكلهما معا ولكن اثارانتباهي وجود قط قريب الذي ما ان رآني مشغول مع صاحب المحل حتى انقض على الببغاوات…….يتبع