يتوافد مئات الطلبة والطالبات المغاربة، كل سنة، على الجامعات الأوكرانية للدراسات العليا. هذا الإقبال وفّر جالية مغربية مهمة، إن كانت استطاعت أن تجد لها مقعدا في الكليات المتخصصة، فهي لا تتمكن في حالات عديدة من الاندماج في المجتمع الأوكراني بشكل سليم وآمن، ما قد يترتب عليه بعض المشاكل التي يواجهونها في ظل اختلاف البيئة والثقافة واللغة.
مقتل الطالب في كلية طب الأسنان (محمد المعتمد) قبل أسبوع، خلف استياء وحزنا كبيرا وسط هذه الجالية الطلابية، وأثار إشكالية الظروف الأمنية التي يمكن أن تحول دون هذا الاندماج والتعايش.
عن إشكالية الاندماج، وعن الوضع الأمني، ودور اللغة والثقافة في خلق الظروف المناسبة للتمدرس والعيش في أوكرانيا، يتحدث الدكتور كسيم صلاح، أستاذ العلاقات الدولية الاقتصادية بالجامعة الوطنية كرازنا بخاركوف، وعضو الجمعية المغربية للصداقة والتعاون بأوكرانيا، في هذا الحوار الذي خص به “مشاهد24”:
- عبر الطلبة المتواجدون في أوكرانيا للدراسة عن استيائهم للظروف غير الآمنة التي أصبحوا يعيشونها في السنوات الأخيرة. اعتداءات، عنصرية، عنف… بصفتكم فاعلون جمعويون ولكم علاقة بالطلبة وكذا بالمسؤولين الأوكرانيين. كيف تقيمون الوضع؟ ما هي الأسباب؟
– حتى لا نتحدث عن العنف بعنف، تبقى هذه التصريحات في اعتقادي افتراضية.. فلا مبرر، نظري أو عملي، للعنصرية في أوكرانيا. وبحكم تواجدي لأزيد من 25 سنة في هذ البلد، أجد أن الشعب الأوكراني يدين دائما مثل هذه التصرفات، وهو من حارب ضد النازية، فكيف له اليوم أن يتصرف عكس ذلك. أما عن الجريمة فهي تقع في كل بلدان العالم، وبدوافع مختلفة.
- بعد مقتل الطالب المغربي محمد المعتمد مؤخرا، ارتفعت حدة التوتر وكذا التخوف عند الطلبة،. ما هو الدور الذي قامت السلطات المغربية في أوكرانيا (السفارة) بخصوص هذه الفاجعة؟ب
– سفارة المملكة المغربية علمت بالحادث فور وقوعه، فجر يوم الاثنين 26 يونيو. وعكس ما راج حول تماطل السفارة، ورغم تزامنه مع عطلة عيد الفطر، فقد تم التنسيق على الفور مع المسؤولين لتتبع الوضع، والقيام بكل الإجراءات الإدارية والقانونية الخاصة بنقل جثمان الراحل لمثواه الأخير بأرض الوطن في أقرب وقت، وهذا ما تم فعلا يوم 29 يونيو. كما اجتمعت سفيرة المغرب، ومسؤول الشؤون القنصلية في كييف، بالسلطات المحلية بمدينة خاركوف، للبحث في القضية، وعقدا لقاء تواصليا مع الطلبة المغاربة لمناقشة ملابسات الجريمة، والإنصات لمشاكلهم. فمن باب الإنصاف التأكيد على مجهودات السفارة المغربية لضمان نقل جثمان الشاب المغربي في أسرع وقت من جهة، واتصالاتها المكثفة مع السلطات بكييف العاصمة، والسلطات المحلية بمدينة خاركوف، ومع المصالح الأمنية…
- ما هي المشاكل، في نظركم، التي تحول دون اندماج الطلبة في المجتمع الأوكراني؟
– هي عوامل كثيرة.. فعندما يأتي الشاب المغربي إلى أوكرانيا لأول مرة، يصطدم بعدة صعوبات، لغوية وثقافية بالأساس، أولها انعدام التجربة في تسيير العامل المادي والزمني، بحيث لا يتأقلم بسرعة مع وجوده في بلد جديد، وبيئة غير مألوفة، ما يجعل علاقاته تبقى منحصرة بين أصدقائه من المغرب، أو فقط مع بعض الأجانب من بلدان عربية أو إفريقية الذين يسهل التواصل معهم لغويا. لهذا أقول إن للغة دور كبير في هذا الاندماج. لأنه كلما أجاد الطالب لغة البلاد كلما سهل عليه التواصل مع السكان، فأغلبية المشاكل والخلافات مع أهل البلد، أصلها جهل اللغة والثقافة والتواصل بهما بشكل سليم ولائق. ولا يتأتى ذلك إلا بتعلم هذه اللغة وإتقانها جيدا. وعلى الطالب ألا يكتفي بدراستها فقط خلال السنة الأولى التي يلج فيها أوكرانيا، بل أن يواصل تعلمها، لأنها ليست لغة لفهم الدروس بل أيضا للتواصل. فاللغة هي الجسر والقاعدة للاندماج في المجتمع الأوكراني.
- ما هي المشاكل التي يمكن أن يتسبب فيها الطلبة أنفسهم دون قصد؟
– عدم أخذ بعض الاحتياطات كالخروج أو السهر إلى ساعات متأخرة ليلا، التعاطي لبعض الممنوعات، جهلهم لبعض أخلاقيات التواصل مع الأوكرانيين، وكذلك جهل بعض القوانين الخاصة بالأجانب أو بالإقامة في أوكرانيا.
- هل بالإمكان تقديم فكرة عن عدد الطلبة المغاربة بمجموع أوكرانيا؟
– في السنوات الأخيرة، تزايد إقبال المغاربة على الدراسة في أوكرانيا. وحسب بعض التقديرات، فعددهم، اليوم، يفوق 4500 طالب. ومدينة خاركوف وحدها، تضم أكثر من 2000 طالب مغربي، فيما تضم زباروجيا، الوجهة الطلابية الثانية، حوالي 1200 طالب. هذه الأرقام مرشحة للارتفاع، ما يملي علينا، كأطراف، وأعني آباء، ووزارات وصية، وهيئات حكومية، وشركات طلابية، وجمعيات المجتمع المدني، وضع آليات تتبع وتعاون حتى تتم مرحلة تكوين أبنائنا في ظروف حسنة.
- ما هو الدور الذي تلعبه الجمعيات مثلا في لمّ شمل الطلبة؟ وكم عددها تقريبا؟
– الجمعيات المغربية في أوكرانيا، لا تتجاوز ثلاث جمعيات، أبرزها “جمعية الصداقة والتعاون بأوكرانيا”. فمنذ تأسيسها سنة 2012، وهي تشتغل على عدة مجالات اجتماعية، ثقافية، تربوية، وغيرها… وكان من بين أهدافها توحيد وجمع شمل المغاربة، سواء المقيمين الدائمين، أو الحاملين للجنسية، أو الطلبة، عبر تنظيم لقاءات، ومنتديات، وتمثيلهم في عدد من المناسبات، وتقديم خدمات مجانية… للأسف، ليس هناك دائما تجاوب في حجم التطلعات، مع غياب دعم مادي وبشري لهذا المجهود. لكن نسعى مع ذلك إلى تحقيق هذا التجاوب، من خلال مبادرات جديدة. وبعد الحادث المأساوي الذي تعرض له الطالب المغربي، نقترح اليوم على الطلبة تأسيس “جمعية طلابية مغربية” تمثلهم ويكون أعضاؤها منهم حتى يكونوا قريبين من قضاياهم ومشاكلهم.