الرئيسية / أحوال الناس / “زهرة”.. جدة لـ 120 حفيدا ومعاصرة لستة ملوك بعد 115 سنة من العمر
"زهرة"

“زهرة”.. جدة لـ 120 حفيدا ومعاصرة لستة ملوك بعد 115 سنة من العمر

أمضت الجدة زهرة المسفيوي، المقيمة في إقليم أزيلال، بأيت تامليحت، بجماعة تابيا، ما يناهز 115 سنة من العمر، وكانت الحياة غير السهلة في البدء، قد أصبحت ذكريات جميلة، تسردها على أحفادها البالغ عددهم 120 فردا، حسب رواية عبد الصمد الرفالي، أحد الحفدة، لموقع “مشاهد 24”.

وكما لو أن سنواتها الطويلة، لم تمض إلا أمس، مازالت الجدة زهرة، تستحضر بإسهاب تفاصيل عديدة من “مسار حياتها” جعلها تقارن بعد هذا العمر، بين فترات متباينة من تاريخ المغرب، عاشت بعض وقائعه وظروفه عن كثب.

توصلت الجدة زهرة، رغم كل المتاعب التي عاشتها، إلى أن “الحياة جميلة”، بعد أن منحها قدرها عمرا طويلا، أتاح لها، العيش في كنف أبنائها وأبنائهم وحفدتهم، لتقارن بين الأجيال وتوالي السنوات.

ولأن عمرها الطويل يطبع بطابعه، إحساسا فريدا لديها، فالجدة زهرة تستعذب الحياة وسط حقول ممتدة وأشجار تتوزع في الأنحاء، وأجواء تتسم بالتعايش الاجتماعي، نادرا ما تستمر أمام عبء الزمان، حتى يترك للناس مجالات للتآلف بينهم على مدى سنين.

بيئة طبيعية بسيطة، وسط أهل اعتادتهم لسنين عديدة، يعطي جملة الديكور وحدتها، لتشعر الجدة زهرة كل مرة، بوقع الذكريات على نفسها، كلما أمنعت النظر في الأرجاء، وأطلقت للذات عنانها في استعادة شريط الحياة.

وإذا كانت الجدة زهرة، تقارن المشهد المجاور لها، بمشاهد سابقة، قبل أن يغير الزمن معالم الوسط، فذلك لأنها كانت تحس بـ”عمق الزمن” الذي امتد بها إلى عمر 115 سنة، حتى تواصل الحياة مع أجيال مختلفة، وحنين الماضي ينفذ إليها، عبر مخيلتها التي تقودها بين الفينة والأخرى، إلى سرد أحداث كثيرة، في مجمع الأهل والجيران والأصدقاء.

jada-2

حلمت الجدة زهرة دائما، بحياة هنيئة، تستطيع أن تشيخ فيها على نحو متناغم فيتحد حبها للحياة مع الظروف المحيطة بها، ورغم تحملها للمسؤولية في سن مبكرة لم يتجاوز 12 عشرة سنة، وجدت روحها شابه وجسدها عجوزا على نحو عادي، لا يكشف عن عمر 115 سنة، إذ كانت تجتاز مراحل الحياة رغم ثقلها، بروح مرحة، من غير أن تعلم بأن العمر الطويل الذي ينتظرها سيعزز لديها تلك الثقة التي رسمت بها حدود حياتها البسيطة في مدينة أزيلال، يسرد عبد الصمد الرفالي، لموقع “مشاهد 24”.

وجدت الجدة زهرة نفسها، أُما لـ 12 طفلا، توفي منهم 6 وبقي الستة الآخرون، خلفوا لاحقا 120 حفيدا عبر أجيال مختلفة. فكان أبناؤها يحيطونها بعناية فائقة، فيما يجهد الحفدة أنفسهم لإدخالها في عالمهم الذي تفصله عنها سنوات طويلة، وبهذا تكون الجدة زهرة، ترى في قدرها برهانا على أنها محظوظة لتعاصر أجيالا جديدة بعد أن ولدت حسب تقديرها الخاص، سنة 1901.

وتوثق الجدة زهرة تاريخ ميلادها بدخول المستعمر إلى المغرب وتحديدا عند وصوله إلى منطقة بزو وفم الجمعة، حيث كان عمرها آنذاك 11 سنة، بحكم أن بعض الدراسات التاريخية، تؤكد أن الفرنسيين دخلوا المنطقة بعد معركة فم الجمعة بهنتيفة، التي دارت رحاها يومي 26 و 27 نونبر 1912.

jada-3

لا يستطيع المرء الجزم في قضائه وقدره، والجدة زهرة، دون أن تدرك سلفا نصيبها من الحياة، استطاعت أن تعمر لسنوات تعاقب عليها ستة ملوك، بدءا بفترة المولى عبد العزيز بن الحسن، الذي حكم ما بين (1894 ـ 1908)، والمولى عبد الحفيظ بن الحسن، الذي استلم الحكم ما بين (1908 ـ 1912)، ليأتي بعده المولى يوسف بن الحسن (1912 ـ1927).

فيما تتذكر فترة حكم محمد بن يوسف (1927 ـ 1961)، والتي تميزت بأحداث عديدة طبعت تاريخ المملكة، وبعد وفاة محمد الخامس تولى بعده الملك الحسن الثاني ما بين (1961 ـ 1999)، في حين تجد في فترة الملك محمد السادس، مرحلة أخرى مهمة بحياتها، حيث تعيش في أجواء تكشف لها “قيمة العمر” في غمرة الأبناء والحفدة، وإن فقدت الكثير من الجيران والسكان الذين تعرفهم، بمنطقة “أغمرول” و”أمغيزيض” و”تحريسين” بعدما غيبهم الموت، لكنها مازالت تستحضر معهم جملة ذكريات.

عندما يسن المرء ، يمكن أن يتجاهل أمورا كثيرة بالحياة، حين يبرد حماسه، ويتابع ما تبقى منها على نحو يائس، لكن الجدة زهرة، مازالت تتابعها بالحماس ذاته، الذي عهدها به أبناؤها وأحفادها، ولا تتوان عن كسر حبات اللوز والخروج لمراقبة غروب الشمس، وتعزو قابليتها للحياة إلى بساطتها التي آمنت بها منذ الطفولة، وتبرر قدرها في بلوغها عمر 115 سنة، إلى التغذية السليمة، اعتمادا على الشعير والقمح والخضروات والفواكه الطازجة، إلى جانب النوم والاستيقاظ المبكرين، يحكي الرفالي لموقع “مشاهد 24”.

وبسعادة الباقين على قيد الحياة، تأمل الجدة زهرة، في أداء مناسك الحج، حتى إن بلغت الخاتمة في الحياة، تكون قد عاشت ما يكفي، ليذكرها حفدة أحفادها، كامرأة حالفها الحظ في أن تشق دربا طويلا من الحياة على مر شاقة لكنها جميلة.