يعرف كل من مارسوا الكذب أن حبله قصير، وأن الحقيقة سرعان ما تنكشف، حتى لو اجتهدوا في ردمها تحت طبقات كثيفة من التدليس والخداع، واللعب بالألفاظ والأرقام. وفي عالم وصل إلى مرحلة توظيف الذكاء الاصطناعي، ولم تعد أدق الأرقام والإحصائيات الدولية حكرا على أجهزة المخابرات؛ تبدو محاولات جنرالات الجزائر، مدنيين وعسكريين، لإخفاء شمس حقيقة كذبهم بغربال التدليس والدجل محاولة بائسة. وفي وجود شخص كشنقريحة على رأس مؤسسة الجيش؛ ومساعدين من “فضلات” فرنسا كمهنا وسواه؛ ومع ساكن في قصر المرادية كعبد المجيد تبون، لم يحسن حتى تربية وتوجيه ابنه المتورط في شبكات تهريب الهيروين والكوكايين الدولية، نستطيع فهم حاضر دولة وشعب أبيين كالجزائر، الذين لا يستطيعون التخلص -حتى الساعة- من هذه الزمرة البائسة.
ولأن المصائب لا تأتي فرادى -كما يقال- حمل شهر يونيو -الذي لم ينتصف بعد- لجنرالات النظام الجزائري، أخبار مزعجة هدمت دعايات لطالما تصدى للترويج لها الرئيس تبون، بـ “خفة” و “وقاحة” تثير استهزاء ليس فقط ولي أمره الفرنسي (الرئيس ماكرون)، ولكن أشد مناصريه من الجنرالات المحيطين به. لقد طُلب من الرئيس تبون أن يستمر في التطبيل والتهليل، والتأجيل، لزيارتيه المرتقبتين إلى كل من فرنسا وروسيا، بدءا من نونبر الماضي، ثم يناير فمارس فماي ثم يونيو، وفي كل مرة يضطر “بلا حيا بلا حشمة” للتراجع عن تصريحاته، وتحديد موعد جديد. وها هي الأخبار تحمل له تأجيل زيارته لفرنسا إلى الخريف المقبل (أو إلى أجل غير مسمى)، بموازاة صمت مطبق من موسكو، بحيث لا يدري كيف يعلن عن تأجيل جديد لا يعلم له موعدا.
واستهداء بالمثل الشعبي القائل “جا يكحّلها عماها”، فقد أسهمت عبقرية الجنرال شنقريحة وأجهزة مخابراته وإعلامه، في تدمير فرص زيارة تبون لفرنسا، عندما فكرت في الرد على تسريبات الرئيس ماكرون المهينة، بخبر “مفبرك” لاجتماع ضباط المخابرات الفرنسية والإسرائيلية والمغربية في تل أبيب، للتآمر على الجزائر. فكيف يمكن “لجزائر المليون ونصف شهيد”، وجنرالاتها “حملة مشعل ثورة نونبر المجيدة”، ألا تردّ على فرنسا التي تتآمر على بلادهم، ببيان استنكار، أو باستدعاء السفير الفرنسي، أو حتى باستدعاء خديجة بن قنة على عجل، لإجراء حوار مع الرئيس تبون -الجاهز دائما-، للرد على صفعة ماكرون وتآمر أجهزته، والمطالبة بزيادة عدد الجماجم المسترجعة في إطار ملف “التصالح مع الذاكرة”، الذي يعمل عليه خبراء ومؤرخو الجانبين!!!
أما روسيا، فقد أقسم الرئيس تبون بأغلظ الأيمان، وفي حضرة بن قنة شخصيا، أن الرئيس بوتين يلح في استعجال زيارته لتوقيع صفقة السلاح التي طالما تحدثوا عنها، ويختلفون فقط في قيمتها (12 إلى 17 مليار دولار)، حتى تقوم موسكو بمحاولة إقناع الهند والبرازيل.. وجنوب أفريقيا، نعم، حليفته جنوب أفريقيا، بقبول عضوية الجزائر في مجموعة “بريكس+”. وهنا نسجل ملاحظتين، واحدة تخص صفقة السلاح وأخرى تخص البريكس:
بما أن النظام الجزائري ورئيسه “مدمنو” كذب وتلاعب بالأرقام؛ وبما أن الرئيس تبون نفسه، أصدر قانونا -فضيحة- في شتنبر الماضي، يحرّم على نواب الأمة طرح أي استفسار على الحكومة أو الجيش بخصوص السياسة الخارجية والدفاعية لبلادهم (السياسة الرياضية هي المتاحة امامهم)، فقد تطوعنا لجمع بعض المعطيات حول صفقة السلاح المزعومة. إما أن تكون صفقة مختلقة برمتها، ولا وجود لها على أرض الواقع، ويعلم الجنرالات استحالتها إما بسبب ضغط السيولة أو عدم جاهزية المصانع الروسية؛ أو أنها حقيقية ولكن بأرقام بعيدة جدا عما هو متداول، وبالتالي لن تزيد عن 2-5 مليار دولار، وذلك لإفساح المجال أمام صفقة تسليح بحري فرنسي بقيمة مشابهة، أو، وهذا هو السبب الرئيسي، خوفا من سيف العقوبات الأمريكية؛ أو أنها التزام حقيقي من شأن التراجع عنه أن يجر عليهم غضب القيصر الروسي، ويوقف تحديث ما عندهم أصلا من “خردة” على حد وصف الرئيس ماكرون. وفي جميع الأحوال، فإن جريمة جنرالات الجزائر في حق الشعب الجزائري العظيم وخيراته، تتجلى بمراجعة سريعة لحجم مداخيل صادرات الغاز (منتوجهم الأول الذي يشكل 40% من مجمل صادراتهم) خلال الألفية الثالثة (2000-2023)، وحجم مشتريات الأسلحة خلال نفس الفترة. ففي العقد الأول (2000-2009) بلغت صادرات الجزائر من الغاز الطبيعي حوالي 65 مليار دولار، صرف منها أزيد من 31.5 مليارا في صفقات سلاح (بنسبة 49%). أما العقد الثاني (2010-2019) فشهد عهد الفساد العظيم للرئيس بوتفليقة شراء أسلحة بقيمة 94.13 مليار دولار من أصل 100.5 مليار دولار قيمة صادرات الغاز (ما نسبته 94%!!!). وخلال السنوات الأربع الأخيرة (2020-2023) ينتظر أن تبلغ صادرات الغاز ما قيمته حوالي 55 مليار دولار، صرف الجنرالات منها على التسلح (أو ينوون) قرابة 28 مليارا (ما نسبته 51%)!! هل تتصورون حجم النهب المحرّم على السؤال؟!! لقد أهدر جنرالات الجزائر قرابة ثلاثة أرباع مداخيل الغاز (ثروتهم الأولى)، دون الحديث عن العمولات التي دخلت جيوبهم، ليجلبوا للجزائريين الواقفين في طوابير الحليب والقهوة والغاز، أسلحة تحول معظمها إلى خردة فعلا، بسبب عدم استخدامها لقرابة ربع قرن!!!
أما كذبة البريكس، التي صورها الناطق الرسمي باسم الجنرالات، الرئيس تبون، بمثابة “فتح” عظيم. فقد عقدت الدول اجتماعها كما كان مقررا، ومن أصل 14 دولة طلبت الانضمام لعضوية المجموعة، حضر 13 دولة (باستثناء الجزائر فقط!!)، ثمان منها حضوريا (السعودية، أيران، الإمارات، الغابون، الكونغو الديمقراطية، جزر القمر، كازخستان، وكوبا)، بينما انضمت خمس عبر دائرة تلفزيونية مغلقة (مصر، الأرجنتين، اندونيسيا، بنغلاديش، وغينيا بيساو). لقد ضاقت أرجاء الحليفة جنوب أفريقيا بوزير خارجية الجنرالات أحمد عطاف، واستطاعت بالمقابل توفير مقاعد لوزراء خارجية جزر القمر، وكوبا، وغينيا بيساو، التي لا يعترف جنرالات الجزائر أصلا أنها دول تضاهي، أو تداني، بلادهم عظمة وتأثيرا؛ كيف لا، وهي رائدة أفريقيا وعاصمة تحررها، وغيرها من “غثاء” شعارات الستينات!!
وسواء أغفلت بلاد “مانديلا الصغير” دعوة مندوب جنرالات الجزائر متعمدة، لأسباب ستكشفها الأيام قريبا، أو تلبية لرغبة روسية، أو مراعاة لتحفظات الهند والبرازيل، فالنتيجة واحدة: سقوط كذبة أخرى لجنرالات الجزائر، مدنيين وعسكريين، وهو ما يفزع أركان النظام، ويزيد من وتيرة اجتماعات مجلسهم للأمن القومي، الذي يوجد جنرالاته في مرحلة تخبط وترنح، لا يعرفون من أين ستأتيهم المصيبة الموالية خارجيا، أو الزلزال المدمر داخليا!!