كدأبهم دائما، يبحث جنرالات الجزائر، مدنيين وعسكريين، وأبواقهم الإعلامية البائسة، عن “أشباه الفرص” التي يمكن تضخيمها، وتحويلها بواسطة السياسة الدعائية الفاشلة، إلى مناسبة لاستعراض “فتوحات” النظام، “وعبقرية” الرئيس، “وعظمة” العسكر، والاستحضار الدائم لهذه المكانة الدولية الرفيعة لنظام العسكر ورئيسه وجنرالاته؛ وهو ما يستوجب على كل جزائري وجزائرية، أن يلهج بالشكر لله عز وجل في كل صلاة، وأن يدعوه يوميا في ركعة الوتر، ليديم الرخاء الذي يرفلون فيه في ظل جنرالاتهم العظام!! والأدهى، أن هذا النظام الفاشل، يصرف المليارات من خيرات الشعب الجزائري على اختلاق وترويج هذه الدعايات، التي لا تنجح في انتزاع أي “جيم” أو “بارطاج” -بلغة أهل التواصل الاجتماعي- من الشعب الجزائري المستهدف بها، والذي (أي الشعب) يصرح ليل نهار، عبر شتى وسائل التعبير الممكنة -على قلتها- بأنه يفضل تخفيض أعداد الواقفين في طوابير الحليب والقهوة والزيت، على زيادة أعداد الواقفين في طوابير المصفقين لإنجازات النظام العسكري ورئيسه!!
المضحك المبكي بخصوص هذه الدعاية “الغبية”، انها تفترض أن الناس تصدق ما يقال لها، وانها تعتمد وسائل إعلام النظام مصدرا وحيدا لمعرفة ما يجري في العالم. لكن مراجعة سريعة لآخر دعايات النظام الجزائري كفيلة بالتأكيد على أنه لا يملك أي أوهام بخصوص جدوى هذه الدعاية، وأن السبب الوحيد لاستمرارها، هو “النهب” المترتب على صرف الموازنات المرصودة لها. وما دعايته لرئاسة جامعة الدول العربية، ورعايته للمصالحة الفلسطينية، وحظوظه في احتضان كأس أمم أفريقيا (بل وكأس العالم)، وتعويضه للغاز الروسي المصدر إلى أوروبا، وانضمامه المؤكد لتجمع دول “بريكس”، إلا مجرد أمثلة على بؤس هذه الدعاية ونهاياتها الفاشلة، وبشكل فضائحي!!
آخر ما تفتقت عنه “عبقرية” آلات الدعاية الغبية هو العزف على وتر “نجاح الجزائر في انتزاع مقعد في مجلس الأمن الدولي”، متجاهلين عمدا العديد من البديهيات التي يعلمها كل من يملك حدا أدنى من القدرة على استخدام “غوغل”!! فالجزائر وسيراليون هما المرشحان الوحيدان عن قارة أفريقيا، للحلول مكان الغابون وغانا. وبالتالي، فالحصول على المقعد يتم بالتزكية، وليس هناك من معنى لاستخدام كلمة “انتزاع” في الخبر. البديهية الأخرى، أن ترشيح الجزائر وسيراليون نال تزكية الاتحاد الأفريقي في فبراير 2021، أي قبل حوالي عامين ونصف، كما نال تزكية مماثلة من منظمة التعاون الإسلامي في أكتوبر 2022، أي قبل قرابة العام، فما المفاجئ في حصول الجزائر على المقعد، اللهم إلا إذا شك جنرالاتها بإمكانية فوزهم، حتى عن طريق التزكية!! ولتأكيد “غباء” القائمين على هذه الدعاية، يكفي أن نعلم أن ترشيحات الدول للهيئات الدولية تكون متوافقا عليها قاريا، وفق التناوب أو المناطق، ولا يوجد انتخابات فعلية داخل هذه الهيئات الدولية، اللهم إلا في حالات نادرة، ويكون الأمر مقتصرا على تزكية الترشيحات القارية دون تنافس؛ فلو كان الأمر على غير ذلك، هل كان النظام الجزائري يحلم بعضوية المجلس الأممي لحقوق الإنسان؟!! وهكذا، فنحن نعلم منذ اللحظة، أن البحرين ستنال عضوية مجلس الأمن للأعوام 2026-2027، والمغرب عامي 2028-2029، بل وقطر عامي 2042-2043!!!
أما الجانب المضحك في هذه الدعاية البائسة، فهي العبارات التي استخدمها بيان الرئاسة الجزائرية للتعليق على الخبر. حيث اعتبر أن دخول الجزائر لعضوية مجلس الأمن “يعكس الاحترام والتقدير الذي يحظى بهما رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون من قبل المجتمع الدولي، وعرفانا بمساهمته في إحلال السلم الدولي، وتأييدا لرؤية ونهج الرئيس في إقامة الأمن العالمي على أساس التسوية السلمية للنزاعات، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول”!! ولا أدري منذ متى أدخلت الأمم المتحدة هذه المعايير “الرئاسية” في اختيار من يحظى بالعضوية غير الدائمة في مجلس الأمن. ثم لو كان الأمر كذلك، فمن الضروري أن يقرّ المسؤولون العباقرة عن هذه الدعاية، أنها تنطبق بالضرورة على “جوليوس مادا بيو” رئيس سيراليون، و “محمد عرفان علي” رئيس غويانا، و “ناتاشا بيرك بوزار” رئيسة سلوفينيا، وقبلهم “فيليبي نيوسي” رئيس موزمبيق (هل سمع بأسمائهم أي جزائري من قبل؟؟!!)، فكلهم رؤساء لدول تجاور الجزائر في مجلس الأمن!!! فما المميز في حالة الرئيس تبون إذا؟؟!! ثم بالله عليكم، هل يوجد عاقل في المنطقة أو خارجها، يوافق على “كذبة” كون النظام الجزائري، برئيسه وجنرالاته، يحترم مبدأ “عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول”؟!! وإلا، فماذا نسمي سلوكه تجاه المغرب وتونس وموريتانيا ومالي وليبيا، وغيرها من محيطه الإقليمي والقاري؟ هل يمكن اعتبار هذا السلوك الجزائري تجاهها بأي حال “احتراما لسيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها”؟؟!!
ثم لو حاولنا تعميق النظر أكثر، وتساءلنا: ما أهمية أن تشغل الجزائر هذا المقعد؟ وفي ماذا ستفيد القضايا التي تدافع عنها وتعتبرها مصيرية، قضيتا الصحراء وفلسطين؟ فالنظام الجزائري يدرك أنه مجرد “صوت” يكاد يكون بلا قيمة في إدارة شؤون العالم، لاسيما في مواجهة الدول الخمس دائمة العضوية، وأنه لا يملك سوى رفع أصبعه تأييدا لفلسطين، او اعتراضا أو امتناعا تجاه القرارات التي تصوغها الولايات المتحدة بخصوص الصحراء المغربية؛ وفي الحالتين لن يفرض قرارا لصالح فلسطين أو قرارا ضد مصالح المغرب. هل يحتاج القائمون على هذه الدعاية الغبية إلى تذكيرهم بحقيقة أن جميع حلفاء الجزائر، المتبنين لأطروحة البوليساريو والاستفتاء، لم ينجحوا في التأثير على أي قرار يخص هذه القضية منذ ازيد من ثلاثة عقود. وتكفي مطالعة نتائج التصويت لجميع قرارات التجديد للمينورسو منذ بداية التسعينات، لمعرفة أن أيا منها لم يواجه بفيتو يضر المغرب أو ينفع “جمهورية تندوف”، وأن أقصى نتيجة حققوها -أو يأملونها- هي امتناع روسيا ودولة أو دولتين هامشيتين عن تأييد القرار، بطريقة لا تعيق ما كتبته الولايات المتحدة. فماذا يستطيع مندوب الجزائر غير ذلك؟؟!!
ختاما، تدرك الجزائر، وربيبتها العاجزة، والدول الخمسة أو الستة التي تستمر في التعامل مع مغربية الصحراء بطريقة “عقائدية”، أن جميع قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة، المصاغة بقلم الولايات المتحدة، تستنسخ عبارة ثابتة، تشيد “بالجهود المبذولة منذ عام 2006” (الإعلان عن مقترح الحكم الذاتي)، وتطالب بالبناء عليها، أي أنها تقول بشكل لا يقبل الجدل إنه لا مجال للعودة إلى ما قبل عام 2000، والحديث عن استفتاء “مستحيل التطبيق” وغير عملي ولا واقعي. وعليه، لن تنجح الجزائر، كما لم تنجح جنوب أفريقيا قبلها (ثلاث مرات: 2007-2008 و2011-2012 و2019-2020) ولا غيرهما من “أقزام” أفريقيا أو أمريكا اللاتينية، في تغيير هذا الواقع، أو في إيقاف مسار طرد مرتزقة جمهورية الوهم من الاتحاد الأفريقي، أو إقفال هذا الملف داخل اللجنة الرابعة، بل والأمم المتحدة برمتها، وليرنا جنرالات الجزائر ساعتها ماذا هم فاعلون؟؟!!