لا يخفى على أحد، الوضعية الكارثية التي يعيشها الاقتصاد التونسي، والمعاناة التي يكابدها المواطنون التونسيون في شتى مجالات حياتهم، السياسية والاقتصادية والاجتماعية الخ. وضع يتحمل الرئيس التونسي قيس سعيد نصيب الأسد من المسؤولية عنه، ناهيك عن -أو بسبب- انكشاف تونس أمام ابتزاز وتدخلات دول الجوار، والدول المؤثرة عربيا ودوليا.
لقد أوقع الرئيس سعيد نفسه وبلاده في مأزق، لم يجد حلاله سوى التخلي عن قرار بلاده المستقل، ووضعها في خدمة أجندات ضيقة لهذه الدولة أو تلك، وهو ما شهدناه “علنا” تجاه الجزائر وفرنسا؛ حيث قبل الرئيس سعيد بتغيير موقف بلاده التقليدي المحايد في قضية الصحراء المغربية، عبر استقبال زعيم عصابة البوليساريو، تنفيذا لرغبة “العرّاب” الفرنسي، التي دفع مقابلها “الوكيل” الجزائري، ما مقداره 300 مليون دولار وبضعة آلاف من براميل النفط.
ولأن تونس قيس سعيد تقف عارية -للأسف- أمام مختلف التدخلات من مختلف الأطراف، لم يكن متوقعا أن تصمد في مواجهة القوى التي تفوق فرنسا والجزائر تأثيرا عسكريا وماليا وسياسيا، لاسيما ممن “يعزّ” عليها غضب المغرب!!
وجاءت الفرصة المناسبة في اجتماع عسكري بدون معنى أو قيمة، احتضنه جنرالات الجزائر، واستضاف ممثلا عن الجيش المصري، وأحد ممثلي الميليشيات الليبية (لا يمكن الحديث عن جيش ليبي قبل أن يكون هناك دولة ليبية!!)، إضافة إلى، وهنا مربط الفرس، أحد مرتزقة عصابة البوليساريو!! اللافت للانتباه أن ممثلي الجيشين التونسي والموريتاني، المعنيين الأوائل بهذا الاجتماع، قد تغيبا عنه دون إبداء أسباب معلنة، وإن بدا واضحا أن قرار المقاطعة جاء تجنبا لغضب المغرب، وعدم إضفاء مزيد من التوتر على علاقة بلديهما به.
وسواء اتخذ قادة الجيشين في تونس وموريتانيا قرارهما ذاتيا، للسبب المذكور آنفا، أو خشية حرمانهما من المشاركة في الفرصة الأهم (مناورات الأسد الأفريقي)، او بتوجيه من سلطة البلدين السياسية، نتيجة إيعاز مباشر ممن “يهمه” كثيرا غضب المغرب، كالولايات المتحدة أو بعض دول الخليج المؤثرة، ممن ينظر إليهم كحلفاء أقوياء للمغرب، فالنتيجة واحدة: فشل اجتماع جنرالات الجزائر حتى في وجود مصر، التي ستبدي الأيام ما “حصلت عليه” من مكاسب مقابل هذا الحضور!!
ولأن موريتانيا أكثر استقواء بالولايات المتحدة من تونس، وأكثر حساسية لغضب المغرب، وبالتالي أكثر قدرة منها على “تحدي” الإرادة الفرنسية الجزائرية، كان لزاما على هاتين الأخيرتين عدم إضاعة فرصة “قرص أذن” الرئيس قيس سعيد، وإفهامه أن “اللعب معهما” سيكلفه غاليا. وهكذا، ويا للصدفة!! أعلن عن هجوم جزيرة “جربة” المسلح، واستهداف حجاج يهود لأحد أشهر مواسمهم في الجزيرة التونسية، أياما بعد تغيبها عن اجتماع الجزائر العسكري، وأياما قبل بدء موسمها السياحي الأهم!!!
ويدرك القاصي والداني، التكلفة “الكارثية” لضرب الموسم السياحي التونسي، حيث يكاد هذا القطاع يمثل المورد الأهم، إن لم يكن الوحيد، للعملة الصعبة التي تحتاجها البلاد بشدة في أزمتها الاقتصادية الخانقة، من أجل تأمين بعض الواردات الغذائية التي فرغت منها أرفف المتاجر والمحلات في تونس.
لقد سبق لتونس أن عاشت لحظة مماثلة عقب هجوم متحف باردو الإرهابي في مارس 2015، وعرفوا ساعتها “معدن” إخوانهم المغاربة، الذين هب عاهلهم الملك محمد السادس، مصطحبا أفراد عائلته الملكية وأكثر من نصف وزراء حكومته، للقيام بزيارة طويلة لتونس نهاية ماي من نفس العام، حيث كان لتجول العاهل المغربي في مختلف معالم تونس السياحية، تأثير حاسم في الدعاية لتونس وإنقاذ موسمها السياحي.
إن التوقيت المريب لهجوم جزيرة جربة، والطريقة “المسرحية” التي أدير بها مشهد هذا الهجوم، يوضح بما لا يدع مجالا للشك أنه هجوم يستهدف الموسم السياحي التونسي، ويهدف إلى معاقبة القيادة التونسية على “موقف ما”! وإلى “ابتزازها”، سياسيا واقتصاديا وعسكريا وأمنيا، حتى لا يتم النكوص عما اتخذه الرئيس قيس سعيد من مواقف، وتحديدا إيقاف ما يجري مؤخرا من محاولة النظام التونسي أخذ مسافة تبعده عن “حماقات” جنرالات فرنسا في الجزائر، الناجمة عن عدائهم الأعمى لكل ما له علاقة بالمغرب.
كخلاصة، فقد اعتبر معظم المراقبين أن تغيب تونس عن الاجتماع العسكري في الجزائر، جاء كمحاولة لتكفير خطأ رئيسها في استقبال زعيم عصابة البوليساريو، وبالتالي تمهيد الطريق لمصالحة هي أحوج ما تكون إليها مع المغرب. وعليه، فاستهداف الموسم السياحي التونسي عبر هجوم جزيرة جربة، هو محاولة لإحباط هذه المحاولة التونسية، وابتزاز قيادتها؛ فهل تنجح هذا القيادة في مقاومة هذا الابتزاز المكشوف؟! هذا ما ستنبئنا به الأيام القادمة.