مع تزايد وتيرة انكشاف فشل جنرالات الجزائر، مدنيين وعسكريين، في تحقيق أي نصر حقيقي يسهم في تحقيق الإضافة للأوضاع المعيشية اليومية لعموم الجزائريين، يزداد نزوعهم إلى محاولة إلهاء الناس بأي قضايا هامشية أو مثيرة للشعور الشعبي المعتز بوطنيته. لكن وللأسف، في الحالتين، يتم اللجوء إلى “فبركة” انتصارات وهمية، وتضخيم قضايا تاريخية عابرة “لا تسمن ولا تسد جوع” جزائري هذه الأيام، والشواهد على ذلك أكثر من أن تحصى. فلا عقد القمة العربية كان حدثا يدشن عصر الجمهورية الجزائرية العظمى، ولا استرجاع جماجم “مجموعة من اللصوص” غذّى الشعور الوطني، لأن من أشرف على العملية أصلا، هو موظف من رتبة “دركي” يعمل كأقرانه لدى النظام الفرنسي، وكان في غاية السعادة عندما تم تكريمه بخوذة أو قبعة دركي فرنسي عاث في الجزائر فسادا على مدى 130 سنة.
الأكثر إثارة للشفقة، والغثيان بشكل أدق، هو أن جنرالات الجزائر بصنفيهم، وللفقر الشديد في المادة الدعائية، المرتبطة أساسا بحاجة بعض دول أوروبا لتعويض بعض النقص من واردات الغاز الروسي (إيطاليا تحديدا)، سرعان ما يحولون الدفة إلى اختلاق أي موضوع ذي صلة بالمغرب، البلد الجار الذي صنعوا منه عدوا أزليا للنظام، رغم احتفاظه بمكانة شريك الدم والكفاح، في الذاكرة الجمعية الجزائرية الحية. وحتى في موضوع استعداء المغرب، يبدو فقر السياسة الدعائية أكثر وضوحا بسبب تفوق المغرب الواقعي في جميع المجالات المرتبطة بالجهد البشري عموما. وبالتالي، بدأ لجوؤهم يتزايد نحو الجانب “الغرائزي” الذي يتم من أجله “تسمين” وتاليا “توحيش” فئة من الذباب الإلكتروني، ومرتزقة “المظاهرات المصطنعة” وتخليصهم من أي مظهر إنساني أو وازع ديني أو تربوي أو أخلاقي، كما تطالعنا مواقع التواصل الاجتماعي بشكل شبه يومي، وساحات بعض المدن الفرنسية مؤخرا.
ولعل ما يزيد من “توحش” جنرالات الجزائر، خضوعهم لتوجيهات السيد الفرنسي، أن كلا الطرفين ينتميان إلى حقبة الاستعمار البائدة المنتمية لنهايات القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين، التي لا تقوى على استيعاب والتعامل مع حقائق الربع الأول من القرن الواحد والعشرين. والأخطر -عليهم بالدرجة الأولى- أن هذا التوحش المزدوج، يتم ترجمته حرفيا بتوجيهه نحو فئات من مرتزقة الساحات العمومية وفضاءات العالم الافتراضي، من أجل مهاجمة كل ما هو مغربي، وبدرجات متصاعدة من “الفحش” والسقوط الأخلاقي، غير مدركين عبث محاولة الإيهام بأن هذه “الحثالة” تمثل بأي حال الرأي العام في الجزائر الأبية.
لقد سجل أحرار الجزائر موقفهم تجاه جار الدم والكفاح المغرب بشكل لا يقبل الالتباس، عندما خرجوا بالملايين إلى جميع ساحات الجزائر وعلى مدى عام تقريبا، للمناداة بسقوط نظامهم لا “نظام المخزن” المغربي، ولم تشهد أي من هذه الساحات شعارا مسيئا واحدا للمغرب والمغاربة، بل إن من خرجوا في مظاهرات الفرح العفوية لانتصارات أسود الأطلس في مونديال قطر، لا يوازيها حرارة وحجما إلا مظاهرات الفرح العفوية التي عمت المغاربة عندما نال محاربو الصحراء لقب كأس أفريقيا، حيث كان الجميع يرددون الشعار الذي يصيب جنرالات الجزائر “بالسعار” وهو المكون من كلمة بسيطة: “خاوة.. خاوة”. وهنا يتبادر لذهن أي إنسان يتجاوز وعيه القدرات العقلية ل “دودة القزّ”: ما الذي استجد من أسباب العداوة بين الشعبين، حتى ينقلب جموع الجزائريين من شعار “خاوة.. خاوة” إلى شعار “عداوة.. عداوة”؟!!
أما النقطة المفصلية هنا، فهي أن جنرالات الجزائر لا يدركون مخاطر “توحيش” المواطنين والتركيز على سياسة غرائزهم، بدل “أنسنتهم” والتركيز على تنمية عقولهم. هذه الغاية الأخيرة هي التي تكرّس لها الدول الراقية ذات الأنظمة الوطنية بأفعالها وليس شعاراتها، نسبة مهمة من دخلها القومي، من أجل تعليم مواطنيهم على استخدام عقولهم، لا عضلاتهم، في إدارة النقاش والاختلاف مع الآخرين داخل وخارج أرض الوطن. نجاح يجعل الأنظمة مستقرة والجماهير منظمة، بحيث يمرون من التربية العقلية إلى التربية الأخلاقية، الأمر الذي ينقلهم من “الهمجية” إلى “التحضّر”، مما يسهل مهمة إدارة الشأن العام بواسطة كفاءات منضبطة لمعايير الإدارة الرشيدة والمسؤولية المجتمعية. أما عكس هذه التربية، والتي شعارها “الاستثمار في التوحش” تبعا للقاعدة المقيتة “جوّع كلبك يتبعك”، فهو وإن جلب منافع آنية للمستثمرين، فإن المحصلة النهائية تكون كارثية بكل المقاييس، تدفع أثمانها، بالأساس، الأوطان التي تحوّلت فعليا إلى غابة لا تخضع فعليا سوى لشريعة وأخلاق “الغاب”. وعليه، فإن خروج العشرات ممن تم توحيشهم من قبل مخابرات الجزائر وسادتهم الفرنسيين، ورغم تكلفته الباهظة، فلن يكسب المخططين والمنفذين سوى “لعنات” وازدراء كل من يشاهدهم من أصحاب الفطرة السليمة، وسيأتي اليوم الذي تنقلب مشاعر غضبهم تجاه من قاموا بتوحيشهم و”تفريغهم” من إنسانيتهم!
ختاما، ربما كان الأجدى أن ينصب اهتمام مسؤولي هذا النظام الفاشل على تخفيض عدد الواقفين “الحقيقيين” في “طوابير” الحليب الصباحية وغيرها من المواد الغذائية، بدل زيادة عدد المتظاهرين “المصطنعين” ضد المغرب والمغاربة، وأن يوجهوا الأموال التي تذهب لمرتزقة “جمهورية تندوف” وصغار “الكراكيز” كالنكرة مانديلا، إلى من يقاومون لمجابهة العطش ونقص البضائع من مختلف الأنواع.
ولأن فرص النجاح في منافسة المغرب في أي ميدان واقعي اقتصاديا أو سياسيا أو غيرهما، داخليا وخارجيا، تكاد تكون معدومة، لا لشيء سوى الاختلاف الشديد في بنية النظامين وفلسفة عملهما، وعقم محاولة “تلميذ” فاشل مجاراة “أستاذ” يسبقه زمنيا بعقدين على الأقل من العمل الدؤوب، فالأجدى بالنسبة لمسؤولي النظام الجزائري على مدى عقود الاستقلال “الصوري” الزائف، إما الاعتراف بهذا الواقع والتسليم به والعمل بموجبه، أو التعجيل بالبحث عن ملجأ آمن نسبيا يتيح لهم إنفاق المليارات التي نهبوها، في السنوات القليلة المتبقية لهم في هذه الدنيا الفانية.
كلمة أخيرة للمغاربة الأحرار، رغم مشاعر الغضب المشروعة تجاه ما تقرأون وتشاهدون من تعليقات وصور “مقززة”، حافظوا على وصيّة ملككم الحكيم، ولا تنزلوا إلى مستوى هذه الفئة الهمجية وتتبادلون معهم الشتائم، فهم لا يمثلون شيئا بالنسبة ل 45 مليون أخ جزائري “منكوب” بنظامه الفاشل، كما أنهم أصدق تعبير عن عجز جنرالات الجزائر عن مجاراة نجاحاتكم “الواقعية” في صناعة مستقبل بلادكم، وكما قيل قديما: “الصمت، جواب لا يحسنه الكثيرون.. ولا يستطيع احتماله أحد”!!